Skip to main content

مقدمة الأسفار النبوية

أنبِيَاءُ العَهدِ القديم كانَوا رِجَالاً أقامَهُم اللهُ فِي أزمِنَةِ انحِرَافٍ وارتِدَادٍ روحي في إسرائيل. جاءوا بنهضات روحية وكان عندهم غيرة قوية على وطنهم إسرائيل. كانوا ناطقين نِيَابَةً عَنِ اللهِ متكلمين إلى قَلبِ وضَمِيرِ الأُمَّة. الرسَائِلُ النَّبَوِيَّة لَهَا خُصوصيات ثلاثة: (1) تِلكَ التِي كانَت مَحَلِّيَّةً ومُخَصَّصَةً لِزَمَنِ النَّبِيّ؛ (2) تِلكَ التِي كانت نَبَوِيَّةً لِهَدَفٍ سَمَاوِيٍّ فِي المُستقبَل؛ (3) تلك التي كان لها هدف مزدوج (i) لِزَمَنِ النَّبِيّ، و أيضاً (ii) نَبَوِيَّةً لِلمُستقبَل.

مِنَ الضَّرُورِيّ مَعرِفَةُ المِيزَةِ الإسرَائِيليَّةِ للنَّبِيّ. فَخِدمَتُهُ النَّبَوِيَّة، بالمُسَاوَاةِ مع خَدمَتِهِ المَحَلِّيَّةِ والرَّاهِنَة آنذاك، تأخُذُ عَادَةً بِعَينِ الاعتِبَارِ شَعبَ المِيثَاق، خَطِيَّتَهُم وفَشَلَهُم ومُستَقبَلَهُم المَجِيد. الأُمَمِيُّ مَذكُورٌ لِكَونِهِ مُستَخدَمًا لِتأدِيبِ إسرَائِيل، ومُدَانٌ لأجلِ هذا الأمر، ولكنَّهُ مَذكُورٌ أيضًا لِكَونِهِ مُشَارِكًا فِي النِّعمَةِ التِي كانَت لا تَزالُ بَعدُ طَيَّ الإظهَارِ لإسرَائِيل؛ وخطة الله للكَنِيسَةُ لم تكن مفهومة فِي وَحِي أنبياء العَهدِ القَدِيم. (أف 1:3-6). تَرتَكِزُ بَرَكَةُ إسرَائِيل كَأُمَّةٍ فِي المُستقبَل على المِيثاقِ الفلسطِينِيِّ لاستِردَادِ إسرائيل الى الارض مع تَّغييرات تتضمن  الدور الجديد الذي تلعبه كنيسة العهد الجديد (أنظُرْ تث 3:30 مُلاحَظة)، والمِيثاقِ الدَّاوُدِيِّ للطَّبِيعَةِ المُلُوكِيَّةِ للمَسِيَّا، ابنِ دَاوُد (أنظر 2صم 16:7 ملاحظة)؛ وهذا يُعطِي لِلوَحِي النَّبَوِيِّ خَاصِيَّتَهُ المَسيَانِيَّة. الاستِردَادُ النِّهَائِيُّ لإسرَائِيل الى أرض الميعاد سيتم فِي بداية ملك المسيح في مَلكُوت السموات. مَصدَرُونبع البَرَكَةِ فِي المَملكَة هُوَ مَلِك الملوك ورب الارباب وإله ألالهة الرب يسوع المسيح، ربّْ المجد الذِي لَيسَ هو فَقَط ابنَ دَاوُد، بَل أيضًا عِمَّانُوئِيل – الله معنا.

ولكِن كمَا أنَّ المَلِكَ هُوَ أيضًا ابنُ إبرَاهِيم (مت 1:1)، الفَادِي المَوعُود بِهِ، وكمَا أنَّ الفِدَاءَ هُو فقط مِن خِلالِ ذبيحَةِ المَسِيح، فإنَّ الوَحيَ المَسيَانِيَّ يُقَدِّمُ بِالضَّرُورَةِ المَسِيحَ فِي خَاصِيَّتَين: (1) مَسِيَّا مُتَألِّم (مَثلاً إش 53)؛ و(2) مَسِيَّا مَالِك (مَثلاً إش 11). هذه الازدِوَاجِيَّة – تَألُّمٌ ومَجْد، ضَعْفٌ وَقُوَّة – كوَّنتْ سِرًّا حَيَّرَ الأنبِيَاءَ (لو 26:24-27؛ 1بط 10:1-12).

يَكْمُنُ الحَلُّ لِذَلِكَ السِّرّ، كمَا يُوضِحُهُ العَهدُ الجَدِيد، في المَجِيئَينِ – المَجِيء الأوَّل مِن أجلِ الفِدَاءِ عَبرَ الآلام، وَالمَجِيء الثَّانِي إلى المَلَكُوت بِمَجْدٍ، عِندَمَا سَتُنجَزُ الوُعُودُ القَومِيَّةُ لإسرَائِيل (قارن مت 21:1-23؛ لو 28:2-35، 46:24-48 مع مت 6،2:2، 27:19-28؛ لو 31:1-68،33-75؛ أع 30:2-32، 14:15-16). يَصِفُ الأنبِيَاءُ المَجِيءَ فِي شَكلَينِ لَم يُمكِنْ أن يحدثا فِي آنٍ واحدٍ معاً (مَثلاً زك 9:9. بَاين زك 1:14-9)، ولكِنْ لَم يُعلَنْ لَهُم أنَّ بَينَ المَجِيءِ للألَم والمَجِيءِ لِلمَجد، هُنَاكَ فَرَاغٌ زَمَنِيٌّ يُتَمِّمُ بَعضَ "أسرَارِ المَلَكُوت" (مت 11:13-34،17-35)، ولا أنَّهُ كَنَتِيجَةٍ لِرَفضِ المَسِيَّا سَتُدْعَى كَنِيسَةُ العَهدِ الجَدِيد. كَانَ هَذاِ لَهُم "السِّرُّ المَكتُومُ مُنذُ الدُّهُورِ فِي الله" (أف 1:3-12).

إذًا بِشَكلٍ عَام، يَنشَغِلُ الوَحيُ النَّبَوِيُّ بِإتمَامِ المَوَاثِيق الإبرَاهِيمِيَّة، الفلسطِينِيَّة والدَّاوُدِيَّة. (أُنظُرْ تك 2:12 مُلاحَظة؛ تث 3:30 مُلاحَظة؛ 2صم 16:7 مُلاحَظة).

بعض قوَى الأُمَمِ مَذكُورَةٌ في النبؤات إنما من جهة صِلَتِهَا بإسرَائِيل. النبؤات، مَا عَدَا في دَانيال وعُوبَديَا ويُونان وناحُوم، لَم تكن مُهتَمّةً أسَاسًا بِتَارِيخِ الأُمَم. دَانيَال، كمَا سَيَظهَر، لَهُ مِيزَةٌ خَاصَّة بالنسبة لأزمنة الامم.

النُّبُوَّاتُ عَن رُجُوعِ اليَهُودِ مِن سَبي بَابِل عِندَ نِهَايَةِ سَبعِينَ سَنَةً، يَجِبُ أنْ تُمَيَّزَ عَن تِلكَ التِي تتكلَّمُ عَنِ استِردَادِ الأمَّةِ مِن التَّشَتُّتِ فِي العَالَمِ بَعدَ رَفضِهِم المَسِيح عِندَ مَجيئِهِ الأوَّل. المَوَاثِيقُ الإبرَاهِيمِيَّة، الفِلسطِينِيَّة، والدَّاوُدِيَّة (تك 1:12-3؛ تث 1:28 – 9:30؛ 2صم 4:7-17) هِم الصِيغَةُ للوَحي النَّبَوِيِّ الوَاسِع الإطار بخصوص: العَظَمَةُ القَومِيَّة لإسرائيل، العِصيَانُ القَومِيّ، التَّذرِيَةُ فِي العَالَم، حُلُولُ البَرَكَةِ عَلى العَالَمِ فِي مَسِيح إله إسرَائِيل المنتظر، التَّوبة، المَجيءُ الثَّانِي لِلمَسِيح، إعَادَةُ جَمعِ إسرَائِيلَ وتَأسِيس المَلكُوت مَع تَجَدُّدِ ومُبَارَكَةِ إسرَائِيل.

يُمكِنُ تقسِيمُ الأسفَارِ النَّبَوِيَّةِ إلَى ثَلاثِ مَجمُوعَات: (1) مَا قَبلَ السَّبِي: إشعيَاء، إرمياء، هُوشَع، يُوئِيل، عَامُوس، يُونَان، مِيخَا، نَاحُوم، حَبَقُّوق وصَفَنيَا. (2) أثنَاء السَّبي: حَزقِيَال، دَانيَال وعُوبَديَا. (3) ما بَعد السَّبي: حَجَّي، زَكَرِيَّا ومَلاخِي.

يَرتَكِزُ الأسَاسُ فِي حَلِّ مَعَانِي النُّبُوَّاتِ عَلى: مَجِيئَي المَسِيح الاول والثاني (لو 16:24) – المَجِيءُ لِلتَّأَلُّمِ (تك 15:3؛ مت 21:16؛ لو 46:24؛ أع 23:2)، والمَجِيءُ لِلحُكْم (تث 3:30؛ أع 9:1-11)، عَقِيدَةُ البَقِيَّة الباقية الامينة (إش 20:10-22؛ رو 5:11 ملاحظة)، عَقِيدَة يَوم الرَّبّ (إش 10:2-22؛ رؤ 19:19 ملاحظة)، وعَقِيدَة مَلَكُوت السموات (العَهد القَدِيم تك 26:1-28؛ زك 8:12 مُلاحَظة)(العَهد الجَديد لو 31:1-33؛ 1كو 24:15 مُلاحَظة؛ رؤ 4:20 مُلاحَظة). مَقَاطِعُ رَئِيسِيَّة حَيَويَّة مِحوَرِيَّة هي: (تك 15:3؛ تث 28 – 30؛ مز 2؛ إش 14:7، 6:9-7، 53؛ دا 2 و7.

للفهم الواضح والسليم للنبؤات يَجِبُ الأخَذ بعين الاعتبار لِلنُّبُوَّةِ المحددة في إطَارِها الشَّامِلُ للمقدرة على فهم وتَمييزِ مَعنَى أيّ مَقطَعٍ مُعَيَّن (2بط 20:1). وهكذا تَظهَرُ أوَّلاً أهَمِّيَّةُ التَّمَكُّنِ مِنَ المَوَاضِيعِ الكُبرَى قبل التَّمَكُّنُ الصغرى والفردية مِنهَا. هَذِهِ النّسخَة مِنَ الكِتابِ المُقدَّس تعتمد هذا المبدأ عَن طَرِيقِ اقتِفاءِ آثَارِ الهَيكَلِيَّةِ العامة للكِتَابَاتِ النَّبَوِيَّةِ عن المَوَاضِيعِ المَذكُورَة أعلاه.

 

التَّرتِيبُ الزَّمَنِيُّ للأنبِيَاء

 

  1. أنبِيَاءُ مَا قَبلَ السَّبِي
  • يُوئِيل 850-700 ق.م.
  • يُونَان 800 ق.م.
  • عَامُوس 780-755 ق.م.
  • هُوشَع 760-710 ق.م.
  • مِيخَا 740 ق.م.
  • إشعياء 740-680 ق.م.
  • ناحُوم 666-615 ق.م.
  • صَفنيَا 630-620 ق.مز
  • حَبَقُّوق 627-586 ق.م.
  • إرمياء 627-580 ق.م.

 

  1. أنبِيَاءُ السَّبِي
  • دانيال 605-535 ق.م.
  • حزقيال 593-570 ق.م.
  • عُوبَديا 585 ق.م.

 

  • أنبِيَاءُ مَا بَعدَ السَّبي
  • حَجَّيْ 520 ق.م.
  • زَكَرِيَّا 520-518 ق.م.
  • مَلاخِي 450-400 ق.م.

 

يأتِي ترتِيبُ الكُتُبِ النَّبَويَّةِ في سَردِ الكِتابِ المُقدَّس عَلى المِنوَالِ التَّالِي:

 

  1. الأنبِيَاءُ الكِبَار
  • إشعياء
  • إرمِياء
  • مَرَاثِي إرمياء
  • حزقيال
  • دانيال

 

  1. الأنبِيَاءُ الصِّغَار
  • هُوشَع
  • يُوئِيل
  • عَامُوس
  • عُوبَديا
  • يُونَان
  • مِيخَا
  • ناحُوم
  • حَبَقُّوق
  • صَفنيَا
  • حَجَّيْ
  • زَكَرِيَّا
  • مَلاخِي

 

إنَّ التَّسمِيَةَ "الأَنبياَء الكِبَار"، لا تَعنِي أنَّهُم أكثرُ أهَمِّيَّةً لكِنَّ أسفارَهُم أكبَرُ حَجمًا بالمُقَارَنَةِ معَ أسفارِ "الأنبياء الصغار"∙

تَتكلَّمُ أسفارُ الأنبِيَاءِ الكِبَارعَن:

١- ضَرُورَة عِيشَةِ القدَاسَةِ لِتَكُونَ مُنسَجِمَةً معَ إرادَةِ اللهِ المُعلَنَة عَن حَياةِ القدَاسَة∙

٢- حَتمِيَّةُ عِقَابِ اللهِ عَلى الَّذِينَ يتجَاهَلُونَ وصَاياه∙

٣- الخَلاصُ النِّهَائِيُّ والأكِيدُ سيَأتِي فقط بِواسِطَةِ عَمَلِ إبنِ اللهِ الفِدَائِي لِخَطايا الجِنسِ البَشَرِيّ∙

 

أمَّا أسفَارُ الأنبِيَاءِ الصِّغَار فتتكَلَّمُ عَن:

١- مَعرِفَة أنَّ اللهَ قُدُّوسٌ وبَارٌّ ودَيَّانٌ وعَادِلٌ ورَحُوم∙

٢- مَعرِفَة كَيفِيَّةِ تَعامُلِ اللهِ مَعَ شُعُوبِ واًُمَمِ الجِنسِ البَشَرِيّ∙

٣- مَعرِفة تَقيِيم الكِتَابِ المُقدَّس كَقِطعَةٍ أدَبِيَّةٍ فَذَّة!

 

يَستَشهِدُ العَهدُ الجَدِيدُ كَثِيرًا بأَقوالِ الأنبِيَاءِ الصِّغَار، ولكِنَّ أهمَّ إقتِبَاسَاتِهِ هي مِن حَبَقُّوق (2: 4) – البَارُّ بالإيمَانِ يَحيَا – الَّتِي هِيَ نُقطَةُ إنطلاقِ رِسَالَةِ بُولُس الرَّسُول إلى أهلِ رُومية (1: 16-17)، التي تُعتَبَرُ أَهَمَّ سِفرٍ عَقائِدِيٍّ فِي العَهدَينِ القَدِيم والجَدِيد كِلَيهِما.

  • عدد الزيارات: 1601