كتب بواسطة القس الدكتور رمزي خمَار. نشر في أشعياء.

مقدمة

المَوضُوع: الخَلاصُ المُنتَظَرُ
الكَاتِب: إشَعيَاء بن آموص

التَّارِيخ: مِن 740 إلى 680 ق.م.

كانَ إشعياءُ نَبِيَّ اللهِ فِي يَهُوذا خلال حُكْم أربَعَةِ مُلُوك هم عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا؛ وهِيَ فترَةٌ امتَدَّتْ حَوَالي 60 عَامًا سَقطَتْ أثنائها السَّامِرَةُ بيد الاشوريين وسُبِيَت المملكة الشمالية إسرَائِيل سنة 723 ق.م. غزى سنحَاريب اُورشليم سنة 701 ق.م. ولكنه أخفق في احتلالها. في تلك الايام هَاجَمَ إشعياءُ تَرَدِّي حَالَة المُجتَمَع الاخلاقية ولم يقم بذلك بصفة مُصلِح اجتِمَاعِي، بل بالحقيقة كما هو أنه نبي الرب يسوع إبن الله. إعتبر إشعياء رداءة الوضع الاجتماعي أنه بالحقيقة كما يعلن الكتاب المقدس (أم 14: 34) أنه تَشخِيصٌ لانحِطاط وإنحلالٍ رُوحِيٍّ عام (إش 3:1-9؛ 6:58-10).
ينظر سفر إشَعياء إلى الماضي الى  خُطَطِ اللهِ الأزلِيَّةِ وخَلقِ الكَون (مَثَلاً إش 5:42)، ثم يَنظُرُ إلى المستقبل إلَى الوَقتِ الذي فِيهِ سَيَخلقُ اللهُ سَمَاواتٍ جَدِيدَةً وأرضًا جَدِيدَة (إش 17:65، 22:66). نبؤات إشعياء شاملة إذ فيها مذكورة كُلُّ شُعُوبِ الأرضِ (مَثَلاً إش 4:2؛ 26:5، 26،6:14؛ 22،17،15:40؛ 18:66).

لم يَكتُبْ نَبِيٌّ آخَر مثل إشعياء بِهَكذَا لَبَاقَةٍ فَخمَةٍ عَن مَجدِ الله (أنظر إشعياء 40).
فِي حِين تُوجَدُ في سِفرِ إشعياء نبُوَّاتٌ كثيرَةٌ مُهِمَّةٌ عَن أورشلِيم (المَدْعُوَّة بأكثرِ من ثلاثِينَ اسمًا مُختلِفًا مثل أريئيل و ساليم وصهيون)، بالإضَافَةِ إلى نُبُوَّاتٍ عَن إسرائِيل، ويَهُوَّذا، وشُعُوبِ الأرض، فإنَّ السِّفرَ يُبرِزُ النُّبُوَّاتِ المَسيَانيَّةَ الكُبرَى التي تتنبّئْ عَن: (i) ولادَةِ المَسِيح (إش 14:7؛ 6:9)؛ (ii) ألُوهِيَّتِه (إش 6:9-7)؛ (iii) خِدمَتِه الارضية (إش 1:9-2؛ 1:42-7؛ 1:61-2)؛ (iv) مَوتِه وقيامته (إش 1:52 – 12:53)؛ (v) عصر الكنيسة من الكرازة بإنجيل المسيح الخلاص لكل الجنس البشري (إش 52: 7-10) ؛ (vi) حُكمِهِ الألفِيِّ فِي المُستقبَل (مَثَلاً إشعياء  2، 11، 65)؛ و(vii) الابدية مثل آخر أعداد السفر (إش 66: 24).

مِن بَينِ كُلِّ أنبياءِ العَهدِ القَدِيم، إشعيَاءُ هُو الأكثرُ شُمُولِيَّةً فِي المَدَى حيث لَيسَ مِن نَبِيٍّ آخَر إنشَغَلَ إلى هذا المدى بِمُهِمَّةِ المَسِيحِ فِي دَورِ الفِدَاء؛ ولَيسَ مِن سفر آخر من كُتُبِ أنبياء العهد القديم، يُعطِي هَكذا صُورَة صَافِيَة عَنِ النِّعمَة.

بعدَ أن عَاشَ إشعيَاءُ مُعظَمَ حَياتِهِ في أورشليم، يَقُولُ التُّرَاثُ أنَّهُ استَشهَدَ في أول مُلْكِ مَنَسَّى إبن حزقيّا، حيث اُدخِل دَاخِلَ جذعِ شَجَرَةٍ مُجَوَّفة ونُشِرتَ الشجرة عِندَ خَاصِرَتِيهِ فنُشِر إلى قِسمَينِ (قَارِنْ عب 37:11).

لقد نَشَأ كثيرٌ مِنَ الجَدَلِ حَولَ مَنْ كَتَبَ الإصحَاحات (40-66) مِن سِفرِ إشَعياء. يَنسُبُ البَعضُ هَذا المَقطَعَ بِأسرِهِ إلى "إشعيَاء ثان ٍ"، عَاشَ حَوَالي العَام 540 ق.م. أي بَعدَ سبي بابل. آخرُونَ يَرَوْنَ "إشعياء ثالِث"، كَتَبَ (إش 40-66). ويَرَى آخرُون أيضًا إدخَالاتٍ وحَذفًا تعودُ إلى القَرنِ الأوَّل ق.م.، وهذا المَوقِفُ يَصعُبُ قُبُولُهُ نَظرًا لاكتِشَافِ مَخطُوطَةٍ لإشعيَاء فِي قُمرَان تَعُودُ إلى القَرنِ الثَّانِي ق.م.

وإذا كانَ "إشعياءُ الثَّانِي" قد عَاشَ فِي بَابِل، كمَا هُوَ مُدَّعَى، فإنَّهُ يُظهِرُ مَعرِفَةً ضَعِيفَةً بِجُغرَافِيَةِ بَابِل، ولكنَّهُ يُظهِرُ اطِّلاعًا مَألُوفًا عَلى فِلسطِين (إش 19:41؛ 14:43؛ 14:44). أيضًا، يُزعَمُ بأنَّ الاختِلافَ فِي اللُّغَةِ والأسلوبِ مُمكِنٌ أن يكونَ فقط سَبَبُهُ اختِلافَ الكُتَّاب. ولَكِنَّ هذه النَّظَرِيَّة إذا طُبِّقَت عَلى مِيلتُون، ڠوتيه، أو شكسبير، ستُجبِرُنا عَلى الاستِنتَاجِ بِأنَّ الكَثِيرَ مِن كِتَابَاتِهم كَانَ مُنتَحَلاً. على العَكس، يُمكِنُ الإشَارَةُ إلى 40 أو 50 جُملَةً أو شِبهَ جُملَةٍ تَظهَرُ فِي كِلَي القِسمَين مِنَ السِّفر، وهذا يَدعَمُ وُجُودَ مُؤَلِّفٍ وَاحِد (قَارِنْ إش 20:1 مع 5:40 و14:58؛ 6:11-9 مع 25:65؛ 6:35 مع 18:41 إلخ).

الادِّعَاءُ بأنَّ كَاتِبَين أو أكثر كَتَبُوا هَذا السِّفر هو في الوقتِ ذاتِهِ مُنَاقَضَةٌ لِدَلِيلِ العَهدِ الجَدِيد. فهُناكَ استِشهَادَاتٌ مِن (إش 40 – 66) مَوجُودَةٌ في (مت 3:3؛ 17:12-21؛ لو 4:3-6؛ أع 28:8؛ رو 20،16:10) وهِيَ كُلُّهَا قد نُسِبَت إلى إشعياء. إقتِباسَاتٌ أُخرَى أيضًا فِي (يو 38:12-41)، مأخُوذَة مِن (إش 9:6-10 و1:53) تَظهَرُ مَعًا وهِيَ كُلَّهَا قد نُسِبَت إلى إشعياء الذِي رَأى الرَّبَّ فِي رُؤيَا الهَيكَل (إش 6). لِذَلِكَ يَجِبُ الاستِنتَاج بأنَّ كَاتِبًا وَاحِدًا كانَ مَسؤُولاً عَنِ السِّفرِ بِأسرِه، وبِأنَّ أيَّ جزءٍ مِنهُ لم يُكتَبْ فِي زَمَنِ سَبِي بَابِل.

يُمكِنُ تقسيمُ سِفر إشعيَاء إلى الأجزاء التالِيَة:
I- نُبُوَّاتٌ بِخُصُوصِ يَهُوذا: 1-12

II- نُبُوَّاتٌ بِخُصُوصِ الشُّعُوب: 13-27

III- نُبُوَّاتٌ تَحذِيرِيَّة ليَهُوذَا وأفرَايم: 28-35

IV- حصار سِنحَارِيب ومَرَض حَزقِيَّا: 36-39

V- عَظَمَةُ وتَفَوُّقُ وسُمُوُّ الله: 40-48

VI- عَبدُ الرَّبِّ المُتَألِّم: 49-57

VII- الحَثّْ الأخير والنُّبُوَّاتُ الخِتَامِيَّة: 58-66