مقدمة ناموس موسى
يبتدئ العهد القديم بنَامُوسَ مُوسىَ الذي هو أول خمسة أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس اللتي أعطاها الرب يسوع لموسى بالوحي على جبل سيناء∙ لكن ما هُو معنى الوحي، الإعلان، الإنارة، والتفسير؟
الوَحيُ: مَعناَهُ أنَّ اللهَ يُثَبِّتُ إعلانَه بالكتابة بالكلمة. فالكتابُ المقدس هو حرفيًا كلامُ الله بدون زيادة ولا نُقصان: "كُلُّ الكتاب هو مُوحَىً بِهِ مِنَ الله" (2 تي 16:3). " لأنِّي أَشهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسمَعُ أقوالَ نُبُوَّةِ هذا الكتاب إن كان أَحَدٌ يزيد على هذا، يزيد اللهُ عليه الضربات المَكتوبَة في هذا الكتاب، وإن كان أحدٌ يحذِفُ مِن أقوالِ هَذِهِ النُّبُوَّة يحذف اللهُ نصيبَهُ مِن سِفرِ الحيوة ومن المَدينة المُقدَّسَة ومِنَ المَكتُوبِ في هَذا الكِتاب" (رؤ 18:22-19).
الإعلانُ: مَعناهُ أنَّ اللهَ قد تكلم: "هكذا قالَ الرب" (إرميا 45: 4 "أ").
الإنارة: مَعنَاها عَمَل رُوح الله القدُّوس فِي الكشفِ عَن العَينَين لكي يفهمَ الإنسانُ معنى الأسفار المُقَدَّسة: "حينئذ فَتَحَ ذهنَهُم ليفهموا الكتب" (لو 45:24) "وأنارَ الحيوة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تي 10:1 "ب").
التفسير: هو إعطاءُ المَعنَى مِنَ السَّمَاء لِكلِمَةِ الله: "عالِمِين هذا أَوَّلاً أنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الكِتابِ ليسَت مِن تفسِيرٍ خاص" (2بط 20:1); أي ان الكتاب يفسِّر نفسه بنفسه.
النَّامُوس: أَنكرَ بعضُ النُّقَّاد أنَّ مُوسَى كتبَ أسفارَ النَّامُوس الخَمسة من تكوين إلى تثنية، على الرُّغمِ من حقيقةِ كَون هذه الأسفَار قد نُسِبَت إلى مُوسَى مِن قِبَلِ الربِّ يسوع المسيح نفسه. حُجَجُ النُّقَّادِ في ذلك أن: 1- هُنَاكَ أكثرُ مِن تسمية واحدةٍ لله في الناموس مثل إلوهيم ويهوه؛ 2- هناك اختلاف في الأسلوب والنص بين كتاب وآخر؛ 3- هناك أكثر من سرد واحد لقصة واحدة مثل قصة الخلق في تكوين ومن ثم مرة ثانية أيضا في تكوين.
- الجَوابُ على هذه الحجَج هو أن: 1- تَنَوُّع أسماء الله أتى بداعي تعريفنا على أوجه مختلفة من صفات الله؛ 2- الاختلافُ في الموضوع الذي يُعَالِجُهُ الكتَابُ يَفرِضُ الاختلافَ فِي الأسلوبِ والنَّصّ؛ 3- تَكرارُ سرد وتفصيل أية قصة يجب أن يُفهَمَ بأنَّ هَدَفَهُ هُوَ زِيَادَةُ إيضَاحٍ عَلى القِصَّةِ الأولى وليس مناقضتها، فإنَّ مؤلِّفَ القصتين هو واحد وهو شخص الروح القدس والكاتب واحد وهو موسى (2بط 20:1-21؛ خر 14:17 و4:24-8 و27:34؛ عد 1:33-2؛ تث 22،11،9:31).
- يرفُضُ بعضُ اللاهوتيين حقيقةَ بعض وقائع الناموس، منها مثلاً الإصحاحات الأولى من سفر التكوين، ولكنهم في نفس الوقت يعترفون بقيمة هذه الوقائع روحيًا ويُسَمُّونَهَا خُرَافات، مثل قصة جنة عدن وسقوط الإنسان. فهُم لا يُسَمُّونَها أسطورةً بل خرافة، أي أنها قصةٌ من نسج الخيال هدفُها تعليم درس روحي.
- أهم وأبسط جواب لهذا الجدل هو أن التسليم به يطعنُ بِمعرفة يسوع المسيح الكلي المعرفة، لأنه يسُوعَ نفسَهُ يضع ختم مصداقية آدم وحواء وخلق الأرض، فيقول لنا أنه به خُلق كل ما يُرى وما لا يُرى، وهو يسميه بولس الرسول آدم الأخير.
- كتب الناموس الخمسة لها مكانها الخاص في هيكلية الكتاب المقدس، ولها تسلسل روحي، هو بلا شك تسلسل اختبارات روحية لكل أولاد الرب في جميع الأجيال. التكوين هُوَ كتاب البداية، مثلاً: خلق الإنسان جسديًّا - "في البدء خلق الله ..." (تك 1:1) – ميت روحيًّا "في تابوت في مصر" (تك 26:50). الخروج من أرض العبودية عبورًا في البحر الأحمر، هو المعمودية بشهادة بولس الرسول (1كو 1:10-2)، إلى حرِّية مجد أولاد الله. اللاويين هُوَ كتاب العبادة والشركة، المسلك السليم لكل مفدي. العدد هُوَ كتاب صعوبة الدخول في حياة التكريس. التثنية هو كتاب التأهُّب للدخول في الحياة المسيحية المُنتصرة.
- تحتوي النُّصُبُ التذكاريةُ البَابِليَّةُ والأشُورِيَّة على أحداثٍ وَارِدَة فِي النَّامُوسِ، ولكنَّ قِصَصَهَا البابِلِيَّة وَارِدَة بِشَكلٍ خُرَافِيٍّ أسطُورِيّ، وذَلِكَ بِسَبَبِ تَدَاوُلِ هَذهِ القِصَص على الألسُنِ مِن جِيلٍ إلى جيل. هذا يُثبِتُ مصداقيةَ النَّامُوس بِأنَّ هَذهِ الأحدَاث قَد وَقَعَت فِعلاً، ولكِن لِكَي نَعرِفَ يَقِينًا مَا حَدَثَ، كان لا بُدَّ مِن عَمَلِ الإيحَاء. فَشَخصُ الرُّوحِ القدس سَاقَ بِقُوَّتِهِ مُوسَى فِي كِتابَةِ الحَقّ، أي أنَّ مُوسَى كَتَبَ النَّامُوسَ بقوَّةِ ووَحيِ الرُّوحِ القدُس بكلِمَاتٍ فخمَة، عَمِيقة، مُعَبِّرَة وعِلمِيَّة تمَامًا.
- لذلك نرى في النَّامُوسِ مُقَدِّمَةً حَقَّةً ومَنطِقِيَّةً للكتابِ المُقَدَّس بأكمَلِهِ، كمَا نرَى فِيهِ نَمَطًا عَنِ الإيحاءِ الإلهِيّ.
- عدد الزيارات: 2360