Skip to main content

الأَصحَاحُ الرَّابِع

العرش في السماء

(١) "بعد هذا نظرتُ وإذا بابٌ مفتوح في السَّمَاء والصوت الأَوَّل الذي سمعتُه كبوق يتكلَّمُ معي قائلاً إصعَدْ إلى هُنا فَأُريَكَ ما لا بُدَّ أن يصيرَ بعد هذا"

في هذا الأصحاح ينتقل المشهد من الأرض إلى السَّمَاء إذ يسمع يوحنا صوتًا كبوق يَطلبُ إليه أن يصعد إلى السَّمَاء؛ فيصعد. هذا المشهد شبيه بإختبار بولس الرسول حيث اختُطِفَ إلى السَّمَاء الثالثة الموطن المستقبلي الذي ينتظر الأَبرَار المُخَلَّصِين بدم يسوع الغالي والثمين حين قال: "إِنَّهُ لاَ يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إلى مَنَاظِرِ الرَّبّ وَإِعْلاَنَاتِهِ. ۲أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي المَسِيح قَبْلَ أربَع عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. اخْتُطِفَ هذَا إلى السَّمَاء الثَّالِثَةِ... ٤أَنَّهُ اخْتُطِفَ إلى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" (۲ كورنثوس۱۲: ۱-۲...٤). يَصِفُ بولس جمالَ الفردوس وموقِعَهُ بينما يصفُ يوحنا أُبَّهَةَ وعَظَمَةَ عرش الله فيه.

هنا تختفي الكنيسة من الأرض إلى السَّمَاء، حتى تعود في المجد مع الرَّبّ يسوع المَسِيح ملك الملوك ورب الأرباب في الأصحاح التاسع عشر من سفر الرُّؤيَا. دعوة يوحنا إلى السَّمَاء هي رمزٌ وصورة نَبَويَّة عن صعود الكنيسة إلى السَّمَاء مُبَاشَرةً عند انتهاء عصرها.

الآنَ تبدأُ مرحلة "ما هو عَتِيدٌ أن يكون بعد هذا"؛ أي ما بعد عهد الكنيسة على الأرض الذي ينتهي بانتهاء عصر كنيسة لاودكيَّة، والذي يُتَوَّجُ باختفاءِ كل الكنائس، جسد المسيح، وصعودها إلى السَّمَاء في الإختِطَاف. هذا الحدث يَشمَلُ كُلَّ الأموات والأحياء المُؤمنين بالرَّبّ يسوع من أول مسيحيّ من أَيَّام خدمة الرَّبّ يسوع العلنية على الأرض، من حوالي ألفي سنة، إلى آخر شخص مُختَبر التجديد في عصر كنيسة لاودكية. كلّهم أولاد نور، أولاد الرَّبّ يسوع ومُطهَّرُونَ بدمه. يبقى على الأرض أولاد الظلمة، وأولاد إبليس وهم الأَشرَار ومن جميع الطوائف والديانات في العالم. هم غير مؤمنون ولكن سيختبر بعضهم خلاص المسيح في الضيقة العظيمة.

تبقى على الأرض أُمَّةُ إسرائيل وكلُّ شعوب وأمم العالم؛ وتعودُ تعاملات الله مع أمة إسرائيل إلى مُتَابَعَةِ أُسبوع دانيال السَّبعون ( ۷ + ٦۲ = ٦۹ - ۷٠ = ۱). هذا هو الأسبوع السبعون الباقي من السبعين أسبوعًا التي قُضِيَت على أُورشَليم لِتأدِيبِها: بحسب دانيال الاصحاح التاسع كما سنشرح بعد قليل في هذا العدد.

حينئذٍ سيسكُبُ اللهُ غضبَهُ على أُمَّةِ إسرائيل وعلى أمم العالم أجمع لمدة سبع سنوات لصلبهم الرب يسوع ولرفضهم التَّعَبُّدَ له. هذه الفترة تسمى "ضيقة يعقوب"، ولا وجود للكنيسة فيها. الكنيسة لا تمر في الضِّيقَة العظيمة، لأنَّ الرَّبّ يعلِّمنا دائمًا أنه عندما يسكب غضبه على شعب أو أمة ما من الأَشرار، فهو دائمًا يُنقذ أولاده المختارين أوَّلاً، كما حصل بفلك نوح حين أنقذ أولاً نوح وعائلته ثم جلب الطوفان. كذلك فعل مع لوط البار، فأخرجه وعائلته أولاً ثم سكب نارًا وكبريتًا على أهل سدوم وعمورة الأَشرَار. أيضًا يقول بولس الرسول لأهل تسالونيكي: "يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي" (١ تسالونيكي ١: ١٠).

إذًا هُناكَ غضبٌ سوف يأتي على العالم! نحن نؤمن بأنَّ الإختِطَاف سوف يحصل قبل الضِّيقَة العظيمة وإليك بعض البراهين. فمن خلال دراستنا لسفر اللاويين الأصحاح الثالث والعشرين نرى أنَّ هُناكَ سبعة أعياد مقدسة لها تطبيق حرفي على إسرائيل في تطبيق روحي على الكنيسة. هذه المحافل هي: 

   (i) "السبت"، يوم الراحة الارضي الوقتي، وتُطَبِّقُهُ الكنيسة في "الأحد" يوم قيامة الرَّبّ يسوع الذي جلب راحة سماوية أبدية: "قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ" (مرقس ۱٦: ۹). 

  (ii) "الفصح"، والمَسِيح أصبح فصح الكنيسة: "فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا" (۱ كورنثوس ٥: ۷).

  (iii) "الباكورات"، ويسوع قام من القبر وصار باكورة الراقدين: "قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (۱ كورنثوس ۱٥: .۲).

 (iv) "الأسابيع"، بعد خمسين يومًا من عيد الفصح وهو محفل ابتداء الحصاد، وهذا ما فعلته الكنيسة في عيد "الخمسين" حين بدأ حصاد النفوس للرب يسوع: "فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ" (أعمال ۲: ٤۱).

 (v) "البوق"، ومنذ يوم الخمسين فإن هذا ما تنتظره الكنيسة، "بوق الإختِطَاف": "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ۱۷ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" (۱ تسالونيكي ٤: ۱٦-۱۷). 

 (vi) "الكفارة"، الذي هو المحفل الوحيد الحَزِين بين المَحافِل السبعة ويأتي على الأرض بعد إختِطَاف الكنيسة. هو "الضِّيقَة العظيمة": "آهِ. لأَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيق عَلَى يَعْقُوبَ، وَلكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ" (إرمياء ·۳: ۷). 

 (vii) والسابع والأَخِير هو محفل عيد "المَظال"، الذي سيُطبَّق في الحُكم الأَلفِيّ بعد الضِّيقَة العظيمة: "وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ" (زكريا ١٤: ۱٦- ۱۹).

وهكذا نرى أنَّ بعد عيد أسابيع الحصاد يأتي بوق الإختِطَاف! فمنذ قيامة الرَّبّ يسوع المَسِيح وحلول الروح القدس يوم الخمسين لا زلنا في محفل حصاد النفوس. لم يحصل أي تغيير في جدول عمل الله حتى اليوم، والتغيير سوف يحصل عندما نسمع صوت بوق ملاك الرَّبّ: "هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، ٥۲فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِير. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ" (١ كورنثوس١٥: ٥۱-٥۲). "لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ" (١ تسالونيكي ٤: ۱۸). مهم جدًا أن يعرف المؤمن أنّه لن يمر بالضِّيقَة العظيمة، وان لا غضب من الله على أولاده كما يعزّينا الرَّبّ يسوع قائلاً: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَديَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إلى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إلى الْحَيَاةِ" (يوحنا ٥: ۲٤). 

إنَّ درس عقيدتَي "ملء الأمم" و"أزمنة الأمم" في الكِتَاب المُقَدَّس يُعلِّم أنَّه مستحيل على الكنيسة أن تمرّ في الضِّيقَة العظيمة؛ فهُناكَ تَعبيرانِ مُترَابطان في درس نبوءات المستقبل في الكِتَاب المُقَدَّس وهما: (i) أَزمِنَةُ الأُمَمِ؛ و(ii) مِلءُ الأُمَم أو مِلءُ الأزمِنَة؛ وكلاهما يدوران في فلك أسابيع دانيال النبي السبعين ومترابطان ببعضهما ومتداخلان في بعضهما.

أَزمِنَةُ الأُمَمِ هِي فترَةٌ زَمَنِيَّةٌ تَتَسَلَّطُ فِيها قوى الأُمَمِ على أورشليم، وتَصِفُ الأَزمِنَة المُختلِفَة التي سَيَكُونُ فيهَا للأُمَمِ السُّلطان عَلى أورشليم. تبدأ أزمنة الأمم بسقوط أورشليم سنة ٥٨٦ ق. م. وتنتهي في آخر الضِّيقَة العظيمة عندما يعود الملك العظيم الرَّبّ يسوع لينقذ أورشليم ويُؤَسِّسَ ملكوته. أزمنة الأمم هي التِّمثَالُ الهَائِل الذي رآهُ نبوخَذنصَّر الملك وفسَّره له دانيال قائلاً: "أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَفْكَارُكَ عَلَى فِرَاشِكَ صَعِدَتْ إلى مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ هذَا، وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ يُعَرِّفُكَ بِمَا يَكُونُ"؛ "وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ" (دانيال ٢: ٢٩؛ ٩: ٢٧).

بدأت أزمنة الأمم بسقوط أورشليم سنة ٥٨٦ ق. م. وتنتهي في آخر الضِّيقَة عندما يقع اليهود: "بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ" (لوقا ۲۱: ۲٤). 

تتكَوَّنُ أَزمِنَةُ الأُمَمِ مِن أربَع قُوى مُتَعَاقِبَة التي هِي مُتَمَثِّلة في المَعَادِن الأربَعةِ لِتِمثَالِ نَبوخذنصَّر: 

    (i) الذَّهَب: المَملكة البابليَّة أو الكلدانيَّة (العراق اليوم)

    (ii) الفِضَّة: مَادِي وفَارِس (إيرَان اليوم)

   (iii) النُّحَاس: المَملَكَة اليُونَانِيَّة (اليُونَان اليَوم) 

   (iv) الأَمبَراطُوريَّة الرُّومانيَّة التي ستنتعشُ في آخِرِ الأَيَّام في شَكلِ الإتِّحَادِ الأوروبي (أوروبا الشرقِيَّة والغَربِيَّة مُتمَثِّلتَانِ في رِجلَي التِّمثَال). تَدلُّ الأصابِعُ العَشر لِلتِّمثالِ إلى أنَّ الإتِّحَادَ الأوروبي سَيَكُونُ مُؤَلَّفًا مِن عشرة تَحَالُفَاتٍ اُوروبية. 

الأَمبَراطُوريَّةُ الرُّومَانِيَّةُ هِي القُوَّة الوَحِيدَة في العَالَمِ التِي لم تُهزَمْ بل اضمَحَلَّت وتَلاشَت ومُنذُ ذَلِكَ الوَقتِ فإنَّ أقوَى قُوَّةٍ في العَالَم هي حَضَارَةٌ أورُوبِيَّة. في آخِر الأَيَّام ستَنتَعِشُ الأَمبَراطُوريةُ الرُّومانيَّة ثانيةً وتصبح أقوَى قُوَّة في العَالم وستكون كرسي المَسِيح الكَذَّاب. فمُنذُ قِيَامِ الأَمبَراطُوريَّة الرُّومَانِيَّةِ إلى اليَوم ونَحنُ لا نَزَالُ في عَصرِ القوَّةِ الرَّابِعَة لأَزمِنَةِ الأُمَم والتي ستنتهي في نِهَايَةِ سَبعِ سِنِين من الضِّيقَة العَظِيمَة بحَربِ هَرمَجدُّون. عندَها يُنهِي الرب يَسُوعُ المَسِيح، "الحَجَرُ المَقطُوعُ مِن جَبَل”، أزمنة الأمم ويُدَمِّر القوةَ الرابعة: "فِي أَيَّام هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إلى الأَبَد. ٤٥لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ" (دانيال ٢: ٤٤-٤٥). سيُدمِّرُ يسوعُ القوَّةَ الرُّومانيَّة ويُؤَسِّسُ ملكُوتَهُ الذي َيَدُومُ إلى الأَبَد: "كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاء مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إلى الْقَدِيمِ الأَيَّام، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. ۱٤فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَديٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ"، "وَكُنْتُ أَنْظُرُ وَإِذَا هذَا الْقَرْنُ يُحَارِبُ الْقِدِّيسِينَ فَغَلَبَهُمْ، ۲۲حَتَّى جَاءَ الْقَدِيمُ الأَيَّام، وَأُعْطِيَ الدِّينُ لِقِدِّيسِيِ الْعَلِيِّ، وَبَلَغَ الْوَقْتُ، فَامْتَلَكَ الْقِدِّيسُونَ الْمَمْلَكَةَ"، "۲۷وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاء تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِي الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَديٌّ، وَجَمِيعُ السَّلاَطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ" (دانيال ۷: ۱۳-۱٤، ۲۱-۲۲، ۲۷)؛ "وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأرض وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. ∙۲فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الكَذَّاب مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. ۲۱وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ" (رُؤيا ١٩: ١۹-٢١). هَدَفُ أزمِنةِ الأُمَم هو مُعَاقَبَةُ إسرَائِيلَ بسَبَبِ فِسقِها عَنِ الله.

التَّعبِيرُ "أَزمِنَةُ الأُمَمِ" هو سَلبِيٌّ، أمَّا التَّعبِير "مِلْء الأُمَم" فهو إيِجَابِيّ. فِي مِلْءِ الأُمَم يُعَلِّقُ الرب الإلهُ مُعامَلَتَهُ مَع أُمَّةِ إسرائيل بحَسبِ أسابيع دانيال السَّبعين؛ ذلك أنَّ بينَ الأسبوع التَّاسِع والسِّتِّين والأُسبُوع السَّبعين (۷+٦۲=٦۹-۷۰)، يُكَوِّن اللهُ مُؤسَّسَةً جَدِيدَةً هيَ الكَنِيسَة والتِي تتكوَّنُ مِنَ أُمَمِ ويَهُود معًا في كيان واحد. انتهَى العَهدَ القدِيمَ بخِدمَةِ يُوحَنَّا المَعمَدَان: "مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيس. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يوحنا ۳: ۲۹)؛ وإبتدىء عَصرَ الكَنِيسَةِ بدَعوَةِ الإثنَي عَشَر: "مِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ إِلَى الآنَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ” (متّى ١١: ١٢). إلا أنَّ عَهدَ النِّعمَةِ، أو مِلْءَ الأَزمِنَةِ، أو ملء الأُمَم، ابتَدَأَ فعلياً يَومَ الخَمسِين حِينَ حَصَلَتِ الكَنِيسَةُ على قُوَّةِ وبَرَكةِ الرُّوحِ القدُس. سَينتَهِي مِلْءُ الأُمَمِ بالإختِطَاف عندَما يَخطُفُ الرَّبّ يسُوع كنيسَتَهُ ويَرتَفِعُ الرُّوحُ القدُس: "فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إلى أَنْ يَدْخُلَ مِلْء الأُمَمِ" (رومية ١١: ٢٥). حينئذٍ يُستَعلَنُ الأَثِيمُ ابنُ الهَلاك، المَسِيح الكَذَّاب: "لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآن يَعْمَلُ فَقَطْ، إلى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآن، ۸وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ" (٢ تسالونيكي ٢: ۷-۸). إنَّ هذه النُّقطَة تَخلُقُ فَجوَةً كبيرةً في نَظَرِيَّاتِ الذين لا يُؤمِنُونَ باختِطَافِ الكَنِيسَةِ قبلَ ابتِدَاءِ الضِّيقَة العَظِيمة؛ لأنَّ الروحَ القدس الذي حَلَّ على الكنيسة يوم الخمسين وبدأَ عملَها، سيرفَعُها مَعَهُ عندما يصعد إلى السَّمَاء ولن تكونَ موجودةً عندما يظهرُ الأثيمُ أي المَسِيح الكَذَّاب.

الهَدَفُ مِن مِلْءِ الأُمَمِ هُوَ إيجَادُ شَعبٍ سَمَاوِيٍّ يُدعَى الكَنِيسَة التي هي جَسَد المَسِيح: "وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، ۲۳الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ"؛ "مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. ۳۲هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ المَسِيح وَالْكَنِيسَةِ" (أَفَسُس ١: ٢۲-۲۳؛ ٥: ۳۱-٣٢)؛ "هُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ" (كولوسي ١: ١٨).

نرى في هذين البَرنامجين "أزمنة الأمم" و"ملء الأمم"، تَتمِيمًا لوَعدِ اللهِ لإبراهيم بإعطائِهِ نَسلَين: "أُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا (i) كَنُجُومِ السَّمَاء و (ii) كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ" (تكوين ٢٢: ١٧). فقد بارك اللهُ إبرَاهِيمَ بِنَسْلَين:

   (i) النسل السماوي يتم فِي "إسحَق": "أُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاء" (تكوين ٢٦: ٤).

  (ii) النسل أرضي يتطبق في يعقوب: ""يَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأرض" (تكوين ٢٨: ١٤). 

من ناحية نبوئية مستقبلية هذين النسلين هما:

   (i) نسل أرضيّ أو جَسَدِيّ الذي هُوَ إسرَائِيل، فإنَّ الآباءَ إبراهِيم وإسحَق ويَعقُوب هُم آبَاءُ إسرَائِيل: "اِذْهَبْ وَاجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي" (خروج ۳: ۱٦).

  (ii) نسل سَمَاوِيّ أو رُوحِيّ الذي هُوَ الكَنِيسَة، وإبرَاهِيمُ وسَارَة هُمَا أيضاً أَبُ وأُمُّ المُؤمِنِينَ: "إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا" (يعقوب ۲: ۲۱) و"سَارَةُ....الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا" (۱ بطرس۳: ٦).

فإن إسرائيل والكنيسة هما هنا متقاربان الأبوية ولكنهما متباعدتان في الروحانية لان إسرائيل هو زوجة الله الزانية وأما الكنيسة هي عذراء المسيح العفيفة. ألكنيسة لها بركة ملؤ الامم؛ وإسرائيل لها تاديب أزمنة الامم. 

برهان إضافي على أنَّ الكنيسة لا تمرُّ في الضِّيقَة العظيمة هو الاناجيل الاربعة؛ فأنَّ الأناجيلَ المُتشَابِهَة متَّى ومَرقُس ولُوقَا هي أنَاجِيلُ كانت مُوَجَّهَةٌ إلى "إسرائيل" حيث جاءَ يَسُوعُ وكرَزَ مُعَلِّمًا اُسُسَ مَلَكُوت السَّمَاء على الأرض. جاء يسوع إلى الأرض لكي يَذهَبَ إلى الصَّلِيب لِفِدَاءِ شعبِهِ ثمَّ يقُوم ويُؤسِّس مَملكتَهُ. لكِنَّ اليهود رفضوه؛ لذلك فإنَّ إنجِيلَ يُوحَنَّا المُوَجَّه إلى "الكَنِيسَةِ" يَبدأ قائلاً: "إلى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. ۱۲وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. ۱۳اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ" (يوحنا ١: ١١-١٣). لذلك يتوجه الرَّبّ يسوع عبر إنجِيلِ يُوحَنَّا ليُخَاطِبَ الكَنِيسَةَ، ومُسهِبًا في إعلانِ أُلُوهِيَّتِهِ أنّه يسوع المسيح ابن الله. لذلك في مُقارنة بينَ الأناجِيلِ المُتشَابِهَة، متَّى ومَرقُس ولُوقَا، مَع إنجيلِ يُوحَنَّا، نتَبَيَّن أنَّ: 

   (i) إنجيلَ يُوحَنَّا يَشمَلُ ٨ عَجَائِب، ٦ مِنهَا مَذكُورَةٌ فِيهِ فَقَط وليست مذكورة في الأناجيل المتشابهة. 

  (ii) حَدِيثَانِ مَذكُورَانِ عن ربح النفوس في إنجِيلِ يُوحَنَّا فَقط: 

         (أ) نيقُودِيمُوس 

        (ب) المَرأة السَّامِريَّة 

 (iii) فقط في إنجيلِ يُوحَنَّا مَذكُورٌ الحَدِيثُ عَن أنَّ يسوع أنه هو: 

         (أ) الخُبْز الذي نزل من السَّمَاء

        (ب) نُور العالم

       (ت) الرَّاعِي الصالح الذي يبذل نفسه عن كلّ العالم

       (ث) البَاب إلى السَّمَاء

      (ج) الكَرمَة المُثمِرَة لِلحَياةِ الأَبَديَّة 

  (iv) تَتَحَدَّثُ الأناجيلُ متَّى ومَرقُس ولوقا بأمثالٍ، بَينمَا يَتَحَدَّثُ إنجيلُ يُوحنَّا بأقوال. 

  (v) الأناجِيلُ المُتَشَابِهَة تَصِفُ أعمَالَ المَسِيح بينمَا يتحَدَّثُ إنجيلُ يُوحَنَّا عَن كَلِمَاتِ المَسِيح وأقوَالِه. 

  (vi) مَتَّى ومَرقُس ولُوقا يتَحَدَّثُونَ عَن ناسُوتِ المَسِيح، بينَمَا يتحدَّثُ يُوحَنَّا عَن لاهُوتِهِ، لِذلكَ لا يُوجَدُ في إنجيلِ يُوحَنَّا ذِكرٌ لـ: 

        (أ) وِلادَةِ يسوع

       (ب) مَعمُودِيَّةِ يسوع

       (ت) تَجَارُبِ يسوع

       (ث) تَجَلِّي يسوع

       (ج) زِيَارَةِ يسوع إلى حَديقةِ جَثسَيمانِي. 

(vii) متّى ٢٤، مرقس ١٣، لوقا ٢١ يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الضِّيقَة العَظِيمَةِ التي تَمُرّ فيها إسرائيل، ولكن لا ذِكرَ للضِّيقَةِ العظيمة في إنجِيلِ يُوحَنَّا، وهذا برهان قاطع غلى أنَّ الكَنِيسَةَ لا تَمُرُّ فيِهَا؛ لان الأناجيلَ المُتشابِهَةَ مُوَجَّهَةٌ إلى إسرَائِيل وإنجيلَ يُوحنَّا مُوَجَّهٌ إلى اِلكنِيسَة.

عِندَ اكتِمَالِ مِلءِ الأُمَمِ باختِطافِ الكنِيسَةِ تبدَأ الضِّيقَة العَظِيمة؛ وعِندَ ذلِكَ يَستعيدُ اللهُ مُعامَلاتِهِ مَعَ إسرَائِيل مُتَمِّمًا أُسبُوعَ دانيَال السَّبعِين المُسمَّى أُسبُوع يَعقُوب أو أسبوع راحيل: "أَكْمِلْ أُسْبُوعَ هذِهِ، فَنُعْطِيَكَ تِلْكَ أَيْضًا، بِالْخِدْمَةِ الَّتِي تَخْدِمُنِي أَيْضًا سَبْعَ سِنِينٍ أُخَرَ" (تكوين ۲۹: ۲۷)؛ "سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ المُقَدَّسةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَديِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ" (دانيال ٩: ٢٤)، أو إسمه ضِيقَة يَعقُوب: "آهِ! لأَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيق عَلَى يَعْقُوبَ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ" (إرمياء ٣٠: ٧)، وبَحر الضِّيق: "وَيَعْبُرُ فِي بَحْرِ الضِّيقِ" (زكريا ١٠: ١١). تنتهي أزمِنةَ الأُمَمِ عندَما يعَود المَسِيح.

بُرهان آخر أنَّ الكنيسة لا تمر في الضِّيقَة العظيمة هو أنَّ السَّمَاء تفتَح مَرَّتين في سِفر الرُّؤيَا؛ وبين هاتين المرتين لا وجود للكنيسة ولا ذكر لها: 

(i) تفتح أول مرة ليَخطفُ المَسِيح الكَنِيسَة إلى السَّمَاء: "بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاء، وَالصَّوْتُ الأَوَّل الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: اصْعَدْ إلى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا. ۲وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاء، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ" (رؤيا ٤: ١-۲). تختفي الكنيسة من الأرض وتبدأ الضِّيقَة العظيمة. أثناء ذلك تحضر الكنيسة التي العروس، تحضر نفسها في السماء، لعرسها من المسيح العريس لدى عودها معه الى الارض ونملك معه: "لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ. لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا" (رؤيا ۱۹: ۷). 

(ii) المرة الثانية تفتح السَّمَاء ليَنزل المَسِيح مَعَ الكَنِيسَةِ في آخر الضِّيقَة العَظِيمة: "وَيَأْتِي الرَّبّ إِلهِي وَجَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ مَعَكَ" (زكريا ١٤: ٥)، لِكَي يُنهيَ "أَزمِنَةَ الأُمَمِ"، ويُدَمِّر المَسِيح الكَذَّاب والنَّبِيَّ الكَذَّاب ومَملكتَهُمَا، ويُؤَسِّس مَلكوتَهُ (الحُكم الأَلفِيّ) الذي تَحَدَّثَ عَنه فِي المَوعِظَةِ على الجَبَل في (متّى ٥ و٦ و٧). أيضاً يتكلم  سفر الرؤيا الانفتاح الثاني للسماء هذا، قائلاً: "وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ المَسِيح أَلْفَ سَنَةٍ. ٥وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. هذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأولى. ٦مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأولى. هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً ِللهِ وَالمَسِيح، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (رُؤيا ۲۰: ٤-٦).

برهانٌ آخر أيضًا هو أنَّ من هذا الأصحاح فصاعدًا لا ذكرَ للكنيسة على الأرض. حتى إنَّ في الأصحاح الثالث عشر عندما نقرأ ما كان قد ردَّدهَ الرَّبُّ سبع مرات للكنائس في الاصحاحين الثاني والثالث لم يذكر كلمة "الكنائس"؛ بل قال: "من له أذن للسَّمعِ فَليَسمَع" فقط دون ذكر كلمة "للكنائس" في (رُؤيا ۱۳). شِبهُ الجُملَةِ "ما يقوله الرُّوحُ لِلكَنائِس" غير وارد بعد ارتفاع الكنيسة في (رُؤيا ٤: ۱) كما ذكرنا أعلاه.

لذلك مِن أُسُسِ بِنَاءِ عَقَائِد مَسِيحِيَّة سَلِيمَة، هو أخذ أعدادٍ كافية من الكِتَاب المُقَدَّس لدعم عقيدة ما وبنائها. إنَّ بعضَ اللاهوتيين يُعلِّمون بأنَّ الكنيسة تمرّ بالضِّيقَة العظيمة، وكلُّهُم مستندون إلى سُؤ فَهمِ نِصف عدد من رسالة تسالونيكي الثانية الأصحاح الثاني العدد الثاني، الذي يتطلب فهم معنى "يوم المَسِيح" بِشِقَّيهِ الأَوَّل والثاني الذين هما "الظُّهُورَ" أوِ الإختِطَاف و"العَودَةَ الثَّانِيَة" أو "المَلَكُوت": " أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ" (۲ تيموثاوس ٤: ۱). فلو كانت الكنيسةُ تَمُرُّ بالضِّيقَةِ العظيمة لكنّا رأينا أعدادًا واضحة تُعلِّم ذلك؛ وليس سؤ فهم نصف عدد من سفر تسالونيكي الثانية (٢ تسالونيكي ٢: ٢)؛ كما أنَّهُ لا يُمكِنُ لِبُولُس الرسول أن يناقضَ نفسه في كلامه الذي وجَّهَهُ سابقًا إلى المجموعة نفسها، أهل تسالونيكي، عندما يعزيهم قائلاً: "يسوع الذي يُنقِذُنا مِنَ الغَضَبِ الآتي" (١ تسالونيكي ١: ١٠)؛ ولم يَقُلْ "في" الغَضَب، بل "مِنَ" الغَضَب: ۹لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ بَلْ لاقْتِنَاءِ الْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (١ تسالونيكي ٥: ۹).

انتقالُ الكنيسة المُفاجِئ إلى السَّماء هو تعليمٌ مُعَزّي ومهم جدًا؛ وإلاّ فإنَّ عقيدة عودة المَسِيح الوشيكة تصبح خطأ لأنَّ هُناك علامات كثيرة تُشير إلى الضِّيقَة العظيمة. فإذا كانت الكنيسة تمر فيها بحسب التعليم الخطأ، يصبح تعليم عودة المَسِيح الوشيكة خطأ أكبر إذ يتوجب حدوث كلّ هذه العلامات أولاً؛ وهذا هرطقة كما أنه يؤدِّي إلى دمار روح الرَّجاء الحي بالفداء بإختطاف المؤمنين؛ لأنه إذ ذاك يكون يعيش في حالة انتظار الضِّيقَة العظيمة الآتية على العالم الخاطئ الشرِّير. لكننا نحن: "مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (تيطس ۲: ۱۳). تعزيتنا هي في التعليم السليم أننا بانتظار عودة الرَّبّ لأجلنا في أية لحظة. لهذا علينا أن نجتهد بمثابرة ونعيش حياة برّ وتقوى وقداسة للرب ونكون دائمًا في انتظاره؛ وكما يقول الروح القدس: "سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبّ. ۱۸لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ" (۱ تسالونيكي ٤: ۱۷-۱۸). 

(٢) "وللوقت صرتُ في الرُّوحِ وإذا عَرشٌ مَوضوعٌ في السَّمَاء وعلى العَرشِ جَالِسٌ."

سنُخطَف نَحنُ الكَنِيسَة إلى السَّماء وسنرى بأعيننا عرشَ الله المبارك؛ ومجدُ اللهِ البَهِيّ جالِسٌ على العرش! فمَن يَستَطيعُ أن يتصوَّر أو يتخيَّل منظرًا مباركًا كهذا. كما يقول بولس لأهل كورنثوس: "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (١ كورنثوس ٢: ٩). 

(٣) "وكان الجالِسُ في المَنظَرِ شِبهُ حَجَرِ اليَشْبِ والعَقِيقِ وقَوسُ قُزَحٍ حَولَ العَرشِ في المَنظَرِ شِبهُ الزّمرُّد." 

هذا المنظر هو مشهد "مجد" الرَّبّ، هو مَشهَدُ هُو مَحضَرُ مَجدِ اللهِ، لأن:

اَلله "لاَ يُرَى" (١ تيموثاوس ١: ١٧) 

"اَللهُ رُوحٌ" (يوحنا ٤: ٢٤) 

اللهُ نُورٌ (١ يوحنا ١: ٥) 

اللهُ كُلِّيّ الوجود: "فِيهِ يَقُومُ الْكُلّ" (كولوسي ١: ١٧). 

اللهُ "يملأ الكل في الكل" (أفسس ۱: ٢٣)، يملأ الكون والفضاء كله. هو غير محصور بمكان، وغير محصور بكُرسِيِّ عَرش. 

اليَشْبُ يَرمزُ إلى نقاوة القداسة، العَقِيقُ الأَحمَرُ يرمز إلى دم الفداء، قوس القزح ترمز إلى السلام، والزمرد الأخضر يرمز إلى المحبة والحياة؛ فإنَّ “الله محبة" (١ يوحنا ٤: ۸، ١٦). وهو "هو" أي هو حيّ وكائن إلى الأَبَد: "فَقَالَ مُوسَى ِللهِ: هَا أَنَا آتِي إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ ۱٤فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ" (خروج ۳: ۱۳-۱٤)؛ "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ »أَنَا كَائِنٌ«"؛ "فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: إِنِّي «أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ (لانهم رأوا اُلوهيته)" (يوحنا ۸: ۳٦؛ ۱۸: ٦). مع أنَّ هذه المَرَاجِع لا تَكفِي أَبَدًا لِوَصفِ صِفاتِ الله، يَبقَى أنَّها مَشاهَدَ جَمِيلةٌ جدًا. 

(٤) "وحولَ العرش أربَعةٌ وعشرون عرشًا. ورأيتُ على العُرُوشِ أربَعةً وعشرين شيخًا جالسين مُتَسَربِلِينَ بثِيَابٍ بِيضٍ وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب." نرى حول عَرشِ الله أربَعةً وعِشرينَ شيخًا! من هم هؤلاء الشيوخ؟ التحليلُ المنطقيُّ هو أنَّهُم:

    (i) أسباط إسرائيل الإثني عشر مُمَثِّلِي أُمَّة إسرائيل؛ 

   (ii) مع رسل المَسِيح الاثني عشر رسولاً مُمَثِّلِينَ شَعبَ الكنيسة؛ لأنَّ كلّ هؤلاء الشيوخ هم بَشَرٌ بِحُكمِ أنهم كلّهم مَفدِيُّونَ بِدَمِ الرَّبِّ يسوع: "وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. ۹وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ مُسْتَحِق أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ .۱وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ" (رُؤيا ٥: ۸-∙١).

اللهُ عِندَهُ برنامجٌ مُشترَكٌ لإسرائيل والكنيسة في السَّمَاء كما نرى في وَصفِ أساسات وأبواب مدينة أورشليم السماوية: "وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إلى جَبَل عَظِيمٍ عَال، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أورشليم المُقَدَّسةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاء مِنْ عِنْدِ اللهِ، ۱۱لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ. ۱۲وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَابًا، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكًا، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. ۱۳مِنَ الشرقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ. ۱٤وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ" (رُؤيا ٢١: ١٠-١٤). لذلك لا يَصعُبُ القَولُ إنَّ هؤلاء الشيوخ الأربَعة والعشرين يُمَثِّلُونَ رُسُلَ يسوع المَسِيح الاثني عشر وأسباط إسرائيل الاثني عشر! ولهم كلّهم أكاليل لأنَّهم سيملكون مع المَسِيح بفضل أمانتهم للرب يسوع. 

(٥) "ومن العرش يَخرُجُ بُروقٌ ورُعُودٌ وأصوات. وأمام العَرشِ سَبعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَة هي سَبعَةُ أَروَاح الله" 

- ومِنَ العَرشِ يخرجُ بروقٌ ورعودٌ وأصوات - هذا وصف عظمة وجبروت محضر الله وإعلاناتُ قَصدِهِ الأَبَدِيّ: "وَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ أَنَّهُ صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى الْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ جِدًّا. فَارْتَعَدَ كُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي الْمَحَلَّةِ. ۱۷وَأَخْرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ اللهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. ۱۸وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كلّه يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا. ۱۹فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَادًا جِدًّا" (خروج ١٩: ١٦-۱۹). 

- وأمامَ العَرشِ سبعةُ مَصَابيح نارٍ مُتَّقِدَة هي سبعة أرواح الله - أمامَ العَرشِ نرى مَحضَرَ الرُّوحِ القُدُس الذي يُنير للخلق كلّ أعمال برّ الله، يُعطِي مَنظَرًا أبهَى لهذا المَشهَد الذي نراه في السَّمَاء. 

(٦) "وقُدَّامَ العَرشِ بَحرُ زُجاجٍ شِبهُ البَلّور. وفي وسطِ العرش وحولَ العَرشِ أربَعةُ حيواناتٍ مَملؤةٌ عُيُونًا مِن قُدَّام ومن وراء." 

- وقُدَّامَ العَرشِ بَحرُ زُجاجٍ شِبهُ البَلّور - "أمام العرش" أي مباشرة في محضر الله المباشر، و"قدام العرش" تعني بالقرب من أو محيط محضر العرش. البحر يشير إلى إتِّساعِ عرش الله، والبلور يشير إلى شفافية طبيعة الله؛ فالبحر البلوري يشيرُ إلى هدوء وسكون وطمأنينة محضر الله. 

- وفي وسط العرش وحول العرش أربَعة حيوانات مملؤة عيونًا من قُدَّام ومن وراء - هؤلاء هم الكروبيم الأربَعة وهم كرسي عرش الله: "يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ"؛ "هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ" (مزامير ∙۸: ١؛ ٩٩: ١). 

(٧) "والحيوان الأَوَّل شبه أسد والحيوان الثاني شبه عجل والحيوان الثالث له وجه مثل وجه إنسان والحيوان الرابع شبه نسر طائر."

هؤلاء هم الكروبيم كما يصف حزقيال الكروب: "فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. ٥وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أربَعةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهذَا مَنْظَرُهَا......وَعَلِمْتُ أَنَّهَا هِيَ الْكَرُوبِيمُ" (حزقيال ١: ٤-٢٨؛ ∙١: ٩-∙٢).

في هذا الوصف نرى الرموز التالية: "الأسدُ" يَرمُزُ إلى "قُوَّةِ الله"، "العِجلُ" يَرمُزُ إلى "مُثَابَرَةِ اللهِ بِدُونِ ضَنَك"، "وَجهُ الإنسَانِ" يَرمُزُ إلى "حِكمَةِ وفَهمِ اللهِ"، و"النَّسرُ الطَّائِرُ" يَرمُزُ إلى "سُرعَةِ الله". 

(٨) "والأربَعةُ الحيوانات لكلّ واحدٍ منها سِتَّةُ أجنحة حولها ومن داخل مَملُوَّة عيونًا ولا تزال نهارًا وليلاً قائلة قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ الرَّبُّ الإله القادر على كلّ شيء الذي كان والكائن والذي يأتي."

كَثرَةُ العُيُونِ تَرمُزُ إلى كُلِّيّة رؤية الله في أنه يرى كل شيء وأنَّ لا شيءَ مَخفِيٌّ عنه. ذكر كلمة قدوس ثلاث مرات ترمز إلى الثالوث الأقدس وإلى كُلِّيّة قداسة الله المثلث الأقانيم، الإلوهيم!

كلّ كروب هو مُستَقِلٌّ عَنِ الكَرُوبِ الآخَر مِنَ الكَرُوبِيم: "رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ وَرُئِيَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ" (٢ صموئيل ٢٢: ١١)؛ " رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ وَطَارَ، وَهَفَّ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيَاحِ" (مزامير ١٨: ∙١). 

مَجمُوعُ الكَروبيم الأربَعة هم عرش الله الآب والله الإبن والله الروح القدس؛ فهو جالس فوق على الكروبيم: "أَيُّهَا الرَّبّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، الْجَالِسُ فَوْقَ الْكَرُوبِيمَ" (۲ ملوك ۱۹: ۱٥)؛ "الرَّبّ قَدْ مَلَكَ. تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ. هُوَ جَالِسٌ عَلَى الْكَرُوبِيمِ" (مزامير ۹۹: ۱)؛ "ثُمَّ رَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَالْبَكَرَاتِ مَعَهَا، وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ" (حزقيال ۱۱: ۲۲). 

(٩) "وحينما تُعطِي الحيواناتُ مجدًا وكرامة وشكرًا للجالس على العرش الحي إلى أَبَد الآبِدِين."

هناك نظام وتراتبية في عالم الملائكة الأَبرَار:

    (i) أولاً، الكروبيم وهم أعلى درجة: "وَسُمِعَ صَوْتُ أَجْنِحَةِ الْكَرُوبِيمِ إلى الدَّارِ الْخَارِجِيَّةِ كَصَوْتِ اللهِ الْقَدِيرِ إِذَا تَكَلَّمَ" (حزقيال ۱۰: ٥). 

   (ii) بعدهم في التراتبية يأتي السرافيم: "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. ۲السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ" (إشعياء ٦: ۱-۲). 

  (iii) ثالثاً، رؤساء الملائكة. إثناء منهم مذكوران في الكتاب المقدس وهما ميخائيل وجبرائيل. هناك ثالث مذكور في الابوكريفا هو روفائيل. أيضاً رابع، أريئيل، وارد اسمه في التراث اليهودي. نذكر بعض مراجع الاسمان الكتابيان: "وَرَئِيسُ مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَقَفَ مُقَابِلِي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُوَذَا مِيخَائِيلُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ الأَوَّلينَ جَاءَ لإِعَانَتِي، وَأَنَا أُبْقِيتُ هُناكَ عِنْدَ مُلُوكِ فَارِسَ" (دانيال ۱۰: ۱۳) و"فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا" (لوقا ۱: ۱۹)؛ "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ" (۱ تسالونيكي ٤: ١٦). 

  (iv) رابعاً الملائكة المختارون: "َمَتَى جَاءَ ابْنُ الإنسان فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ" (متّى ۲٥: ۳۱).

عالَمُ المَلائِكَةِ الأَبرار هُم كلُّهم في مَحضَرِ الله في هيكلِهِ، وهم: 

    (i) يُسَبِّحُونَهُ على الدَّوام: "وَفِي هَيْكَلِهِ الْكُلُّ قَائِلٌ: مَجْدٌ" (مزامير ٢٩: ٩)؛ كما نرى هذا في وصف تسبيح يسوع في هيكله: "رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. ۲السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. ۳وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأرض. ٤فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا" (إشعياء ٦: ١-٤).

   (ii) يخدمونه: "قَدْ رَأَيْتُ الرَّبّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وكلّ جُنْدِ السَّمَاء وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ" (١ ملوك ٢٢: ۱۹). 

(∙١) "يَخُرُّ الأربَعة والعشرون شيخًا قُدَّامَ الجَالِسِ على العَرشِ ويَسجُدُونَ لِلحَيِّ إلى أَبَد الآبِدِين ويطرَحُونَ أَكَالِيلَهُم أمَامَ العَرشِ قَائِلِين."

الشُّيُوخُ الأَربَعَةُ والعِشرُونَ أيضًا يَسجُدُونَ للرَّبِّ يسوع المَسِيح ويطرحون أكاليلهم، ليعطوه الفضل ويعلنوا أمام الملئ أنَّ هذه الأكاليلَ التي حصلوا عليها هي بفضل نعمة المَسِيح: "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يوحنا ١٥: ٥). لذا كلّ السُّجُود والعبادة هما ليسوع المَسِيح رَبّ المجد!

(١١) "أنتَ مُستَحِقٌّ أيُّها الرَّبُّ أن تأخذَ المَجدَ والكرامةَ والقُدرَةَ لأَنَّكَ أنتَ خَلقتَ كلّ الأشياءِ وهي بإرادَتِكَ كائِنَةٌ وخُلِقَتْ."

نعم كلّ استحقاق الكرامة والمجد والقدرة والبركة والجلال والأُبَّهَة هو للرَّبِّ يسوع الذي خلقها ومنه، وفيه، وله يقوم الكلّ! هو خالق الكون ونحن: "بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أعمال ۱۷: ۲۸)؛ "وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ"، "أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأرض، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ" (عبرانيين ۱: ۳، ·۱). مع أنَّ العالمَ اليومَ خاضِعٌ للبُطلِ، لكنَّ الرَّبّ يسوع سَيُحَرِّرُهُ إلى حرية مجد الله: "لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ. ∙۲إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ ­ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا ­ عَلَى الرَّجَاءِ. ۲۱لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إلى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ" (رومية ٨: ١٩ - ٢١). 

الكَرُوبِيمُ أذكياء والشيوخُ أذكياء، لأنَّهم يضعونَ المجدَ في مكانه عند قدمَي الرَّبّ يسوع! وهكذا فليفعل كلّ إنسان ذكي منّا لأن: "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاء وَمَنْ عَلَى الأرض وَمَنْ تَحْتَ الأرض، ۱۱وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ المَسِيح هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ " (فيلبّي ٢: ∙١-١١)، أكانَ اليومَ كَرَبٍّ ومُخَلّصٍ أو غدًا كَدَيَّانٍ ومُعَاقِبٍ. تُبْ عَن خَطاياكَ واسجُدْ لِيَسُوعَ وافتَحْ قلبَكَ لَهُ لِكَي تَنجُو!

  • عدد الزيارات: 268