الأصحاح الحادي عشر
الشاهدان
- البوق السابع –
(١) "ثم اُعطِيتُ قصبةً شبه عصا ووقف الملاكُ قائلاً لي قُمْ وقِسْ هيكلَ الله والمذبح والساجدين فيه."
خلافًا للأصحاحات الثلاثة السابقة فإنه يصعب شرح هذا الأصحاح بطريقة رمزية، بل إذا تمسكنا بحرفية النص فيسهل علينا التفسير ونرى فيه جمالاً خلابًا مع كثير من المنطق.
لا يزال الوضع الآن في المرحلة الانتقالية بين البوقين السادس والسابع. فبعد أن سمع يوحنا ما تكلمت به الرعود السبعة؛ وبعد أن أكل يوحنا السفر الصغير المفتوح من يد الملاك؛ نرى الآنَ المَلاك يَطلُب مِن يُوحَنَّا أن يقيسَ هَيكلَ أورشليم وقدس الأقداس والمذبح ملجأ اليهود الأمناء المؤمنين بالرَّبّ يسوع والمُحتَمِينَ بهَيكَلِه.
(٢) "وأمّا الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجًا ولا تقسها لأنها قد أُعطِيَتْ للأمم وسيدوسون المدينة المُقَدَّسة اثنين وأربَعين شهرًا."
الساحة الخارجية من الهيكل سوف تكون للأمم الذين لا يخافون الله وسوف تكون مَدُوسَةً منهم لمدة اثنين وأربَعين شهرًا، أي ثلاث سنوات ونصف التي هي النصف الثاني من الضِّيقَة العظيمة.
نُعِيدُ التَّذكِير بأنَّهُ في أوَّلِ الضِّيقَة العظيمة فإن المَسِيح الكَذَّاب سوف يصنع سلامًا مُزَيَّفًا بين اليهود والأمم خاصة العرب لمدة ثلاث سنوات ونصف؛ لكنه ينقلب فجأة ليستولي على عرش العالم بأسره وينقض عهده مع اليهود. سوف يأتي إلى أورشليم ويجلس في الهيكل كإله، ويُجبِرُ العالم، الناس كلّهم على أن يعبدوه: "وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، ٤الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ" (٢ تسالونيكي ٢: ٣-٤)؛ وعلى أن يُختَمُوا بخاتمه كأنهم أصبحوا ملكه: "وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ: الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ" (رُؤيا ۱۳: ۱٦). لذلك لتتم هذه النبؤة لا بَدّ أنَّ الهيكل سَيُعَادُ بِناؤُهُ وسيَدخُلُهُ المَسِيح الكَذَّاب ويجلس فيه في منتصف الضِّيقَة العظيمة.
كما أنه أيضًا سيرجعُ الرَّبّ يسوع المَسِيح إلى هذا الهيكل نفسه في نهاية الضِّيقَة العظيمة: "وَيَأْتِي بَغْتَةً إلى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ ۲وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟" (ملاخي ٣: ١-٢).
لن نرى هذا في يومنا هذا لأننا في عصر النعمة في عهد كنيسة المَسِيح، ولكن ما إن يأخذنا الرَّبّ ويرتفع الروح القدس الذي نزل يوم الخمسين، حتى تنكشف هوية المَسِيح الكَذَّاب وتستكمل معاملات الله في تكميل الأسبوع السبعين من ضيقة أورشليم، فَيُعَادُ بِناءُ الهيكل. لا بد أنَّ المَسِيحَ الكَذَّاب قد وُلِد وهو حيّ في العالم اليوم ولكن لا أحد يعرفه حتى يتم إختطاف الكنيسة: "أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هذَا؟ ٦وَالآن تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. ۷لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآن يَعْمَلُ فَقَطْ، إلى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآن، ۸وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ. ۹الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، ∙۱وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. ۱۱وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، ۱۲لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" (۲ تسالونيكي ٢: ٥-۱۲).
أيضًا بالنسبة إلى بناءِ الهيكل، فإنه حسبما يقول الإعلام المُتَدَيِّن اليهُودِيّ، هو أنَّ كلّ الموادَ مُعَدَّةٌ لإعَادَةِ بِنَائِه، وكلّ ثياب الكهنة ولوازم الخدمة في الهيكل هي حاضرة؛ ومع تكنولوجيا اليوم ممكن إعادة بنائه ومباشرة الذبائح فيه خلال أسبوع واحد.
كلّ هذه علامات ودلائل أنَّ مجيء الرَّبّ يسوع أصبح على الأبواب وهو يقول لنا: "مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ"، "كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. ۳٥اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. ۳٦لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! ۳۷وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا" (مرقس ۱۳: ۲۹، ۳٤-۳۷). وَصِيَّةُ الرَّبّ يسوع لنا هي أن نَسهَرَ على حياتنا الروحيّة وحياة أولادنا وحياة كنيستنا!
(٣) "وسأعطي لشاهدي فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا."
حتى في أَحلَكِ أَيَّام ظلم المَسِيح الكَذَّاب، فإن الرَّبّ يسوع لا يترك نفسه بلا شاهد على الأرض: "لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ" (أعمال ۱٤: ۱۷)؛ بل شاهدين لأنَّه: "عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ" (تثنية ١٩: ١٥)؛ "عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ وَثَلاَثَةٍ تَقُومُ كُلُّ كَلِمَةٍ" (٢ كورنثوس ١٣: ١). هذان الشاهدان سيظهران فجأة على مسرح العالم وفي مدينة أورشليم بالتَّحديد. سوف يقفان ضِدَّ المَسِيح الكَذَّاب، وبِتَذَلُّلٍ وتواضع لابِسَيْنِ مُسُوحًا، سوف يشهدان للخلاص بالمَسِيح يسوع طيلة فترة ثلاث سنوات ونصف أي طوال الضِّيقَة العظيمة، التي هي الجزء الثاني منها. سوف يطلبون من الناس ان يخلصوا بيسوع المسيح.
المشكلة هي معرفة هوية هذين الشاهدين! من هما! ممكن أن يكونا موسى وإيليا بسبب تشابه أعمالهما مع دور كلّ من موسى وإيليّا في أثناء خدمتهما على الأرض كما هو مذكور في العددين الخامس والسادس في طلب نزول نار من السَّمَاء لإيلييا، وفي تحويل الماء إلى دم لموسى. كما أنَّ موسى وإيليّا كلاهما هما اللذان ظهرا بمجد مع الرَّبّ يسوع على جبل التجلي وتَحَدَّثا معه عن آلامه ومَجدِهِ العَتِيد: "وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إلى جَبَل لِيُصَلِّيَ. ۲۹وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لامِعًا. ∙۳وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، ۳۱اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أورشليم" (لوقا ٩: ٢٨-٣١).
ولكن منطق الكِتَاب المُقَدَّس هو أنَّ اللهَ لا يُحَدّ! فيمكن أن يكون هذان الشاهدان شخصين مولودين جديدين، ولهما دور مهم وجَبَّار جدًا في الشهادة لنور المَسِيح إبن الله الحيّ، في أثناء أحلك أَيَّام الإنسان على الأرض، في ظل اقسى ظلمة روحيّة على الأرض، وفي عِزّ استبداد المَسِيح الكَذَّاب لنفوس الناس الخطاة على الأرض. دَورُهما هو أن يشهدا أنَّ يسوعَ حيّ وأنه متربع على العرش في السَّمَاء، وهو المُشرف على كلّ ما يحدث على الأرض من غَضَبٍ إلهِيٍّ على الأَشرَار. حتى في أسوأ زمن في التاريخ فإن الرَّبّ يسوع قادر ان يولد له أبطالُ إيمانٍ جُدُد، مثلما كانت الحال عند عودة الشعب الإسرائيلي من السبي، حين أقام الرَّبّ زيتونتين ومنارتين جديدتين:
(i) زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا؛
(ii) يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ رئيس الْكَهِنةِ: "َنَبَّهَ الرَّبّ رُوحَ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَرُوحَ يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ" (حجي ١: ١٤).
(٤) "هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رَبِّ الأرض."
هذا العدد يُعَزِّزُ مَنطِقَ الفكرة أنَّهُما سيكونان شخصيتين جديدتين على الأرض مثل يهوشع وزربابل في العهد القديم: "فَأَجَابَنِي قَائِلاً: أَمَا تَعْلَمُ مَا هَاتَانِ؟ فَقُلْتُ: لاَ يَا سَيِّدِي. ۱٤فَقَالَ: هَاتَانِ هُمَا ابْنَا الزَّيْتِ الْوَاقِفَانِ عِنْدَ سَيِّدِ الأرض كُلِّهَا" (زكريا ٤: ١٣-١٤).
بالإضافة إلى أنه عندما ظهر موسى وإيليّا على جبل التجلي، يقول الكِتَاب المُقَدَّس إنهما ظهرا بمجد: "اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ" (لوقا ۹: ۳۱)! لذلك إمكانية أن يعود الإنسان من جسد مُمَجَّد إلى جسد فانٍ ثانية، هي فكرة لا سابق لها في كلمة الرَّبّ، وهي تتعارض مع منطق الولادة والموت والخلاص مرة وإلى الأَبَد، التي يعلمنا إيَّاها الكِتَاب المُقَدَّس.
(٥) "وإن كانَ أحَدٌ يُريدُ أن يُؤذيَهُما، تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما، وإن كان يريد أن يؤذِيَهُما فهكذا لا بد أنه يُقتل."
يُذَكِّرُنَا هذا بما حدث مع إيليّا: "فَأَجَابَ إِيلِيَّا وَقَالَ لِرَئِيسَ الْخَمْسِينَ: إِنْ كُنْتُ أَنَا رَجُلَ اللهِ، فَلْتَنْزِلْ نَارٌ مِنَ السَّمَاء وَتَأْكُلْكَ أَنْتَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَكَ. فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاء وَأَكَلَتْهُ هُوَ وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ" (٢ ملوك ١: ∙١)، فإنَّ خِدمتَهُمَا ستكون خدمة دينونة إلهيَّة على الناس الأَشرَار.
(٦) "هذان لهما السلطان أن يُغلِقَا السَّمَاء حتى لا تُمطرَ مطرًا في أَيَّام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يُحَوِّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كُلَّما أرادا."
- هذان لهما السلطان أن يُغلِقا السَّمَاء حتى لا تُمطرَ مطرًا في أَيَّام نُبُوَّتِهِمَا - كما يُذَكِّرُنا هذا بما حدث أيضًا مع إيِليَّا: "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأرض ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ" (يعقوب ٥: ١٧)؛ وكان ذلك بمثابة غضب من عند الرَّبّ على إسرائيل في أَيَّام أخآب الملك الذي باع نفسه لفعل الشَّر في عيني الرَّبّ يسوع: "لَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟ ۱۸فَقَالَ: لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ"؛ "وَلَمْ يَكُنْ كَأَخْآبَ الَّذِي بَاعَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الشَّر فِي عَيْنَيِ الرَّبّ، الَّذِي أَغْوَتْهُ إِيزَابَلُ امْرَأَتُهُ" (١ ملوك ١٨: ١٧-١٨؛ ٢١: ٢٥). أيضًا هذا يدل على أنَّ خدمة الشاهدين هي عقاب وتأديب للأشرار.
هكذا بسبب غضب الرَّبّ على الناس الأَشرَار، الذين سيبيعون أنفسهم للتعبُّدِ للمسيح الكَذَّاب، فإن هذين الشاهدين سيمنعا نزول مطر الزراعة، فيصيرُ جفاف ومجاعة في كل الأرض.
- ولَهُما سلطان على المياه أن يُحَوِّلاها إلى دَمٍ وأن يَضربَا الأرض بكل ضَربَةٍ كُلَّما أرادا - ويذكرنا هذا بما حدث مع موسى: "فَفَعَلَ هكَذَا مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَ الرَّبّ. رَفَعَ الْعَصَا وَضَرَبَ الْمَاءَ الَّذِي فِي النَّهْرِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ، فَتَحَوَّلَ كُلُّ الْمَاءِ الَّذِي فِي النَّهْرِ دَمًا. ۲۱وَمَاتَ السَّمَكُ الَّذِي فِي النَّهْرِ وَأَنْتَنَ النَّهْرُ، فَلَمْ يَقْدِرِ الْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ النَّهْرِ. وَكَانَ الدَّمُ فِي كُلِّ أرض مِصْرَ" (خروج ٧: ∙٢-٢١). هذا أيضًا غضب الرَّبّ على الناس الأَشرَار وإزدياد في المجاعة. غضب الرَّبّ في العدد السابق كان على الناس وهنا فإنه الطبيعة الأرضية.
(٧) "ومتى تمَّمَا شهادتَهُما، فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما."
لقد مضى أسبوع على ابتداء الضِّيقَة العظيمة، وقد شارفَ الجزء الثاني منها على الانتهاء وحان الوقت لعودة المَسِيح إلى الأرض، فهنا نرى آخر عمل تعسُّف وظلم وشرّ من إبليس نفسه الذي هو:
(i) الكوكب الذي قد سقط من السَّمَاء إلى الأرض الذي هو إِبْليسَ: "كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاء يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إلى الأرض يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟" (إشعياء ١٤: ١٢)؛
(ii) وهو: "ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الْخَامِسُ، فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض، وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ الْهَاوِيَةِ" (رُؤيا ٩: ١)؛
(iii) وهو أيضاً: "الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآن، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إلى الْهَلاَكِ" (رُؤيا ۱۷: ۸).
هُناكَ ثلاثة وُحُوش مذكورة في سفر الرُّؤيَا وهم ثالوث نجس هم:
(i) الوحش الأَوَّل المذكور هنا، هو الوحش الصاعد من الهاوية وهو إبليس نفسه: "الوحش الصاعد من الهاوية" (رُؤيا ١١: ٧)؛
(ii) الوحش الثاني هو الوحش الصاعد من البحر وهو المَسِيح الكَذَّاب: "فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ" (رُؤيا ١٣: ١)؛
(iii) الوحش الثالث هو الوحش الصَّاعد من الأرض وهو النبي الكَذَّاب: "ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأرض" (رُؤيا ١٣: ١١).
الوحش في هنا العدد الذي نعلجه، هو إبليس وسوف يقتل شاهدي المَسِيح البطلين. إنما سيفعل بهما ذلك فقط عندما يُتَمِّمَا خِدمَتَهُما، وينتهي دورهما على الأرض في أحلك يوم قبل انبلاج فجر عهد المَسِيح يسوع ملك الملوك ورب الأرباب!
هذا دليل آخر على أنَّ السَّمَاء هي سلطان ولا أحد يُصَابُ بِمَكرُوهٍ بدون أن يَسمَحَ به الرَّبّ يسوع مثلما حدث مع أيُّوب: "فَقَالَ الرَّبّ لِلشَّيْطَانِ: هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ"؛ "فَقَالَ الرَّبّ لِلشَّيْطَانِ: هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ. ۷فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إلى هَامَتِهِ" (أيوب ١: ١٢؛ ٢: ٦-٧). لا شيء يحدث في الكون كلّه بدون إذن أو أمر من الرَّبّ الإله يسوع المَسِيح: "مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشر. أَنَا الرَّبّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ" (إشعياء ٤٥: ۷)؛ "مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبّ لَمْ يَأْمُرْ؟ ۳۸مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ أَلاَ تَخْرُجُ الشرورُ وَالْخَيْرُ؟" (مراثي ۳: ۳۷-۳۸)؛ "وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاء وَسُكَّانِ الأرض، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟" (دانيال ٤: ۳٥)؛ "هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" (عاموس ۳: ٦). هو الله السلطان القدير الذي يقول عنه الكِتَاب المُقَدَّس: "حَاشَا ِللهِ مِنَ الشر، وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ. ۱۱لأَنَّهُ يُجَازِي الإنسان عَلَى فِعْلِهِ، وَيُنِيلُ الرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. ۱۲فَحَقًّا إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُؤا، وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ" ؛ "الْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ الْقُوَّةِ وَالْحَقِّ، وَكَثِيرُ الْبِرِّ. لاَ يُجَاوِبُ" (أيوب ۳٤: ∙۱-۱۲ ؛ ۳۷: ۲۳).
(٨) "وتكونُ جُثَّتَاهُمَا على شَارِعِ المَدِينَةِ العَظِيمَة، التي تُدعى روحيًا سدوم ومصر حيث صُلِبَ رَبُّنَا أيضًا."
بالتحديد هي مدينة أورشليم حيث صُلِبَ الرَّبّ يسوع؛ التي كانت في ظل ظلمة روحيّة على الأرض كما نستشف من كثرة عدد المرضى والعرج والعميان والطرش والمسكونين روحياً في تلك الايام. كذلك عند مجيئه الثاني ستكون أورشليم روحيًا مثل سدوم التي كانت مدينة مليئة بالزنى الجسدي والشذوذ الجنسي؛ الذي بدأ يتفشى في إسرائيل اليوم، وتل أبيب هي عاصمة الشاذين جنسيًا في العالم اليوم ومركز سياحتهم الأَوَّل. مصر ترمز إلى عبودية عالم المادة وحالة أورشليم الروحيّة في ذلك الوقت، فسوف تكون مادِّيًّا رديئة جدًا أسوأ من أَيَّام المَسِيح في حُبِّ اليهود للمال. الأمم ستكون مسيطرة في أورشليم والدعارة والقذارة الأخلاقية والسعي وراء المال سيكونون منتشرين فيها، والناس بعيدون كلّ البعد عن التوبة إلى الرَّبّ يسوع المَسِيح الذي سيعود بغتة في أي لحظة في ذلك الوقت. لذلك يتساءل الرَّبّ يسوع سؤالاً بِمَعرِضِ الجواب: "مَتَى جَاءَ ابْنُ الإنسان، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإيمان عَلَى الأرض؟" (لوقا ١٨: ٨). سيكون الإيمانُ شِبهَ مَعدُومٍ لولا نعمة المَسِيح!
(٩) "وينظر الناس من الشعوب والقبائل والألسنة والأمم جُثتيهما ثلاثة أَيَّام ونصفًا ولا يدعون جُثتيهما توضعان في قبور."
كُلُّ شُعُوبِ العالم أكانوا يهودًا أم أُمَمًا هم بنو الظلمة وأشرار ودائمًا يَشمَتُونَ عندما يُصِيبُ أَولادَ الرَّبّ أولاد النور أي مكروه، وسيشمتون بهم حينئذٍ وتصل بهم درجة الكراهية وقلة الاحترام للميت حتى إنهم لن يسمحوا بدفن شَاهِدَي السَّمَاء.
(∙١) "ويَشمَتُ بِهِمَا السَّاكِنُونَ على الأرض ويتهلَّلون ويُرسِلُون هدايا بعضهم لبعض لأنَّ هَذين النَّبِيَّين كانا قد عَذَّبَا السَّاكِنِينَ على الأرض."
بل أسوأ من الشَّمَاتَة فإنَّهُم يُعَايِدُون بعضُهم بعضًا ويرسلون هدايا بعضهم لبعض من شدة فرحهم لخلاصهم من تأنيب هذين الشاهدين لبِرّ المَسِيح وخلاصه العجيب!
(١١) "ثم بعد الثلاثة الأَيَّام والنصف دخل فيهما روحُ حَيَاةٍ من الله، فوقفا على أرجلهما ووقع خوف عظيم على الذين كانوا ينظرونهما."
لكن فجأة سوف يتدخل الرَّبّ يسوع من السَّمَاء ويُقِيمُهُمَا من الموت تمامًا كما قام هو من الموت منتصرًا على أعدائه. كما اندحر حينئذٍ أعداءُ المَسِيح، هكذا سوف ينقلب المخاض على هؤلاء الشامتين بنبيي الرَّبّ يسوع. منذ فجر التاريخ والشيطانُ يَظُنُّ بأنَّهُ سَيَكُونُ المُنتَصِر في النهاية، ولكن العكس دائمًا هو الصحيح! خسارة الشيطان عظيمة جدًا، فإن آخرته هي محتومة في جهنم النار الأَبَديَّة: "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الكَذَّاب∙ وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إلى أَبَد الآبِدِين" (رُؤيا ٢٠: ١٠). نشكر الرَّبّ يسوع!
في كلّ مرة نرى عظمة إلهنا وانتصاره على الشيطان، فيسوع هو دائمًا المنتصر، وكذا كلّ من يقف مع يسوع! لم تكتمل فرحة الأَشرَار الذين أرسلوا هدايا لبعضهم البعض؛ فبعد ثلاثة أَيَّام ونصف نرى النصرة الإلَهِيّة على الشيطان. دائمًا بعد الموت من أجل الرَّبّ توجد قيامة مجيدة.
(١٢) "وسَمِعُوا صوتًا عظيمًا من السَّمَاء قائلاً لهما إصعدا إلى ههنا فصعدا إلى السَّمَاء في السحابة ونظرهما أعداؤهما."
كما صَعِدَ الرَّبُّ يسوع إلى السَّمَاء بعد قيامته المجيدة، كذلك يدعو يسوع هذين النَّبِيَّينِ الشَّاهِدَين الأَمِينَين إلى الارتفاع إلى المجد إلى السَّمَاء. يا لها من لحظة مجيدة لهما، فقد تمَّما خدمتهما بأمانة، وختما خدمتهما بدمائهما وقاما قيامة مباركة أَبَدية، لمكافأة وجائزة وإكليل وتاج وكنز ونور يشع من نور المَسِيح في جَلَدِ الكَونِ إلى أَبَدِ الآبِدِين!
إنَّ اختطاف هذين النبيَّين سيكون بصورة واضحة مَرئية أمام أعين الناس تمامًا مثل صعود إيليا إلى السَّمَاء: "وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إلى السَّمَاء. ۱۲وَكَانَ أَلِيشَعُ يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ: يَا أَبِي، يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا" (٢ ملوك ٢: ١١-١٢). سوف يراهما الناس يقومان من الموت ويصعدان إلى السَّمَاء أمام أعين الجميع.
على عكس ذلك فإن إختطاف الكنيسة سوف يكون في لحظة، بدون أن يشعر به أحد سوى المؤمنين في المَسِيح، كإختطاف أخنوخ: "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ" (تكوين ٥: ٢٤)؛ وكإختطاف آخِرْ الضِّيقَة العظيمة حيث: "يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. ۳٥تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا، فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. ۳٦يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ" (لوقا ۱۷: ۳٤-۳٦). نشكر الرَّبّ، نحن نكون نتفرج من السَّمَاء مع كلّ الأَبرَار المقدسين في المَسِيح يسوع!
(١٣) "وفي تلك الساعة حدثت زلزلة عظيمة فسقط عُشرُ المدينة وقتل بالزلزلة أسماء من الناس سبعة الآف وصار الباقون في رُعبَةٍ وأَعطُوا مَجدًا لإلهِ السَّمَاء."
- وفي تلك الساعة حدثت زلزلة عظيمة فسقط عُشرُ المدينة وقتل بالزلزلة أسماء من الناس سبعة آلاف - إذًا في تلك اللحظة سوف تنهمر نقمة الله وينسكب غضبه، فتتزلزل مدينة أورشليم ويُقتَل ٠٠٠˒٧ شخص فيها، وهم سيكونون عُشرَ سُكَّانِ المدينة وقتئذٍ. ذلك يدل على أنَّ عدد سكان الكون سيكون قليل جدًا في العالم، لأنَّه سيكون قد قُتِلَ مُعظَمُ سُكَّانِ الكُرَة ِالأرضية في ضربات الضِّيقَة العظيمة.
- وصار الباقون في رُعبَةٍ وأَعطُوا مجدًا لإله السَّمَاء - سوف يرتعب الباقون من الناس الأحياء ويخافون من قدرة وعظمة إلهنا ويعطونه المجد ويعترفون بأنه هو الله الخالق القادر على كلّ شيء: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يوحنا ١: ٣)؛ "الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ" (كولوسي ١: ١٧)؛ "وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين ١: ٣). لكن للأسف سوف لا يتوب الناس لذلك فمزيد من غضب الرَّبّ سوف يأتي عليهم كما سنرى في الأعداد التابعة.
(١٤) "الويل الثاني مضى وهوذا الويل الثالث يأتي سريعًا."
في دراستنا للأصحاح الثامن سمعنا صوت الملاك الطائر في وسط السَّمَاء يقول بصوت عظيم: “وَيْلٌ! وَيْلٌ! وَيْلٌ لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأرض مِنْ أَجْلِ بَقِيَّةِ أَصْوَاتِ أَبْوَاقِ الثَّلاَثَةِ الْمَلاَئِكَةِ الْمُزْمِعِينَ أَنْ يُبَوِّقُوا!" (رؤيا ٨: ١٣). الويل الأَوَّل كان البوق الخامس (رُؤيا ٩: ١-١٢)، والويل الثاني كان البوق السادس (رُؤيا ٩: ۱۳-٢١)، والآن جاء دور الويل الثالث.
(١٥) "ثم بوق الملاك السابع فحدثت أصوات عظيمة في السَّمَاء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أَبَد الآبِدِين."
بوّق الملاك البوق السابع الذي هو الويل الثالث والأَخِير والذي سوف ينتهي برجوع الرَّبّ يسوع المَسِيح إلى الأرض ليملك إلى الأَبَد.
هنا نحن زمنيًا في آخر الضِّيقَة العظيمة، قُبَيلَ عودة الرَّبّ يسوع وفي نهاية ثاني سرد لعودة المَسِيح الذي كان قد إبتدأ في الأصحاح الثامن؛ بعد أن كان السرد أو الوصف الأَوَّل قد تمَّ في الأصحاح السادس.
تماماً كما انه هناك اربعة مرات وصف للمجيء الاول للمسيح في كل من متى ومرقس ولوقا ويوحنا؛ كذلك في سفر الرؤيا هناك أربعة مرات وصف للمجيء الثاني للمسيح:
(i) السرد الأَوَّل يشرح الكآبة العالمية العامَّة وتخابط الشعوب بعضها بعضًا (اصحاح ٥ -٦) .
(ii) السرد الثاني يشرح ضربات السَّمَاء على الطبيعة والبشر(اصحاح ۷ -۱۱).
(iii) السرد الثالث يشرح الحرب الروحيّة في السَّمَاء وعلى الأرض خلال الضِّيقَة العظيمة (اصحاح ۱۲).
(iv) السرد الرابع والأَخِير والأطول سردًا، يصف البروز إلى العلن لقوى الشَّر وتدفق كلّ طاقات إبليس والمَسِيح الكَذَّاب والنبي الكَذَّاب، وتنتهي شرور الضِّيقَة العظيمة بعودة الرَّبّ يسوع إلى الأرض وطرح المَسِيح الكَذَّاب والنبي الكَذَّاب في جهنم النار (اصحاح ۱۳-۱۹). أمّا إبليس فإنه يُلقى في جهنم بعد ألف سنة من ذلك الوقت: "وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلاً مِنَ السَّمَاء مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. ۲فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ"، "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الكَذَّاب. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إلى أَبَد الآبِدِين" (رُؤيا ∙٢: ١، ∙١).
(١٦) "والأربَعة والعشرون شيخًا الجالسون أمام الله على عروشهم خَرُّوا على وُجُوهِهِم وسَجَدُوا لله."
هؤلاء هم الشيوخ الذين شرحنا عنهم في الأصحاح الرابع: "وَحَوْلَ الْعَرْشِ أربَعةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أربَعةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ" (رُؤيا ٤: ٤)، وها هم يسجدون أمام الرَّبّ يسوع ويعطونه المجد والكرامة والاستحقاق.
(١٧) "قائلين نشكرك أيها الرَّبّ الإله القادر على كلّ شيء الكائن والذي كان والذي يأتي لأنك أخذت قدرتك العظيمة ومَلكتَ."
- قائلين نشكرك أيها الرَّبّ الإله القادر على كُلِّ شَيء - أوَّل ما عرَّف الرَّبّ يسوع عن نفسه للجنس البشري، عَرَّفَ عن ذاته بأنّه الرَّبّ "الإله القادر على كلّ شيء" (خروج ٦: ٣). هو "حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين ١: ٣). هو الله: "وَأَمَّا عَنْ الابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إلى دَهْرِ الدُّهُورِ" (عبرانيين ١: ٨). ونحن به: نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أعمال ١٧: ٢٨). آمين!
- الكائن والذي كان والذي يأتي - "يَسُوعُ المَسِيح هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإلى الأَبَد" (عبرانيين١٣: ٨). هو:(١) أزلي، أي لا بداية له؛ (٢) أَبَدي، أي لا نهاية له؛ و(٣) سرمدي، أي أزليَ أَبَدي، يعني: دائم الوجود من الازل والى الابدْ!
- لأنك أخذتَ قُدرَتَكَ العَظِيمَة ومَلكتَ - ذهبَ الرَّبُّ يسوع إلى الصليب ومات وقام وتغلَّبَ على إبليس وأعوانه الذين هم: (١) إبليس الشيطان؛ (٢) المَسِيح الكَذَّاب؛ (٣) النبي الكَذَّاب؛ و(٤) الملائكة الأَشرَار. الآن قد جاء وقت ملكوت المَسِيح على الأرض وسيَملِكُ لمدة ٠٠٠˒۱ سنة.
(١٨) "وغضبت الأمم فأتى غضبُكَ وزمانُ الأموات لِيُدَانُوا ولتعطى الأجرة لعبيدك الأنبياء والقديسين والخائفين اسمك الصغار والكبار وليَهلِكَ الذين كانوا يُهلِكُون الأرض"
غضب الأَشرَار على الرَّبّ لأنَّهم لم يريدوا أن يحيوا للبِرّْ. الآن الرَّبّ يسوع غاضب عليهم وسيقتلهم: "وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأرض وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. ∙۲فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الكَذَّاب مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إلى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. ۲۱وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ" (رُؤيا ١٩: ١٩-٢١). الآن جاء دور عبيده أن يملكوا معه: "وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ المَسِيح أَلْفَ سَنَةٍ" (رُؤيا ٢٠: ٤).
ثم سيعاقب الأَشرَار بهلاك أَبَدي: "وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ"، "ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ، الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأرض وَالسَّمَاء، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! ۱۲وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. ۱۳وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. ۱٤وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي. ۱٥وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ" (رُؤيا ∙٢: ٥، ١١-١٥). لقد جاءت النهاية وجاء زمن حكم السَّمَاء على الأرض!
(١٩) "وانفتح هيكل الله في السَّمَاء وظهر تابوت عهده في هيكله وحدثت بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبرد عظيم."
- وانفتح هيكل الله في السَّمَاء وظهر تابوت عهده في هيكله - انفتح هيكل الله في السَّمَاء وظهر تابوت عهده! فانفتح هيكل الله في السَّمَاء! ولكننا هنا نرى تابوت العهد الذي مكانه داخل قدس الأقداس حيث الكروبين مظللين الغطاء وحيث يدخل رئيس الكهنة فقط مرة في السنة: "وَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قُدْسُ الأَقْدَاسِ ٤فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ. ٥وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآن أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ. ٦ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هذِهِ مُهَيَّأَةً هكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إلى الْمَسْكَنِ الأَوَّل كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ. ۷وَأَمَّا إلى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ" (عبرانيين ٩: ٣-٧)؛ ولكن يسوع أزال الحجاب بين القدس وقدس الأقداس حين ذهب إلى الصليب واتى بالفداء الأَبَدي والبر الأَبَدي: "فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ٥۱وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إلى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إلى أَسْفَلُ. وَالأرض تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، ٥۲وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ" (متّى ٢٧: ∙٥-٥٢)، فلم تعد هُناكَ حاجة إلى الحجاب اذ أصبح لنا الحق والقدرة إلى أن ناتي مباشرة إلى أمام حضرة الرَّبّ يسوع في السَّمَاء بفضل دم الصليب. يسوع شق حجاب الهيكل وأزال فرائض العهد القديم إذ تممهم بنفسه وفتح لنا الطريق الى امام محضر عرش النعمة من خلال عمله الكفاري عنا.
- وحَدَثَتْ بُرُوقٌ وأَصواتٌ ورُعُودٌ وزلزلة وبَرَدٌ عظيم - هذا التَّدَخُّلُ الخارق للطبيعة هو مرافق للنهاية وخاتم لها، ليشهد بأن هذا المشهد هو مشهد سماوي عظيم.
- عدد الزيارات: 432